مقالات

الولاء الوظيفي بين التقدير والتمييز: قراءة نقدية في بيئات العمل غير العادلة

أهداب المنديلي 

أهداب المنديلي 

في كثير من المؤسسات، لم يعد الولاء الوظيفي مجرد قيمة أخلاقية، بل أصبح أداة لإعادة إنتاج السلطة والتحكم في رأس المال البشري كثيرًا ما تُمنح المكافآت والترقيات على أساس الولاء الظاهري أو العلاقات الشخصية، بينما يُتجاهل الموظف المجتهد الذي يطالب بحقوقه وكرامته. في هذه البيئة، يتحوّل الولاء من قيمة تنظيمية إلى أداة لضبط التصرفات، وإدامة الظلم المؤسسي.

الولاء كوجه للخضوع

في البيئات التنظيمية المتخلّفة، تتحول شعارات الولاء إلى أدوات ضغط مفاهيم مثل “الأسرة الواحدة” تُستغل لتسويق وحدة زائفة، بينما تُستخدم عمليًا لابتزاز الموظفين عاطفيًا وإسكات أصواتهم وفقًا لما أشار إليه Edgar Schein في تحليله للثقافة التنظيمية فإن القيم غير المعلنة تُزرع في اللاوعي الجمعي للموظفين، ليقبلوا التفاوت الوظيفي والصمت عن الانتهاكات على أنه أمر طبيعي.

العقد النفسي المختل: الولاء مقابل الاستغلال

العقد النفسي، كما وصفته Denise Rousseau، هو مجموعة التوقعات غير المكتوبة بين الموظف والمؤسسة. الموظف يتوقع تقدير جهده، عدالة في الرواتب والمكافآت، وفرص تطوير، بينما تتوقع المؤسسة الالتزام والسلوك الإيجابي. عندما تُخرق هذه التوقعات مثل حرمان الموظف من زيادة أو مكافأة بينما تُمنح المكافآت على أساس الولاء الظاهري ينتج إحباط عميق انسحاب تدريجي من العطاء، وربما استقالة صامتة. بيئة العمل هنا تؤكد أن الولاء يُستغل كأداة للتمييز، لا كقيمة حقيقية تُبنى عليها الشراكة بين الموظف والمؤسسة.

واقع ملموس: الولاء ذريعة للتمييز والاستبعاد

لا تبقى نظرية “العقد النفسي” مجرد مفهوم أكاديمي، بل تتحول إلى واقع يومي يعيشه الموظفون. يتجلى هذا الخرق بأبشع صوره عندما ترفض الإدارة تحت حجج مثل “ظروف السوق” أو “الموازنة العامة” منح زيادات دورية أو مكافآت جماعية للفريق بأكمله، بينما تُمنح في نفس الوقت مكافآت ضخمة وترقيات استثنائية لدائرة مغلقة من الموظفين بناءً على ولائهم الشخصي للإدارة، وليس على أساس أدائهم الموضوعي.

هذه الممارسة لا تقتصر على كسر مبدأ “المعاملة بالمثل” فحسب، بل:

1. تقتل الدافع الجماعي: لماذا أبذل جهدي إذا كان التقدير لمن يتملق؟

2. تُرسخ ثقافة الصمت والخوف: الموظف يخشى المطالبة بحقه خوفًا من الاستبعاد من دائرة “المفضّلين”.

3. تُشعر الموظف بالخذلان والخداع: يرى توزيع الموارد غير العادل، ويفقد الثقة في نزاهة النظام بأكمله.

هنا، لم يعد الولاء مجرد أداة للتحكم، بل أصبح آلية للفساد الإداري البسيط، تُستخدم لمكافأة الخضوع ومعاقبة الاستقلالية والكفاءة.

الولاء الحقيقي: شراكة نديّة

الولاء الحقيقي ليس تبعية أو سكوت عن الظلم، بل شراكة متوازنة بين حرية الموظف والتزامه. وفقًا لنظرية Social Exchange Theory لـ Blau، العلاقات التنظيمية الناجحة تقوم على المعاملة بالمثل (Reciprocity): إذا أحترمت المؤسسة حقوق موظفيها وقدّرت جهودهم، يأتي الولاء طبيعيًا، وليس مفروضًا بالقوة أو المغريات المؤقتة. الموظف الوفي هو الذي يشارك بنشاط لأنه يرى نفسه جزءًا من مشروع يحترم حريته ويستحق التزامه، لا الذي يغض الطرف عن استغلاله أو حرمانه من حقوقه

الخلاصة

المؤسسات التي تستمر في مكافأة الولاء المزيف وتجاهل الجهد الحقيقي تحكم على نفسها بالضعف الداخلي، مهما بدا سطحها متماسكًا. أما المؤسسات التي تبني ثقافة الولاء على الاحترام والعدالة والشراكة الحقيقية فهي وحدها القادرة على الحفاظ على ولاء صادق ومستدام، وتحويله من أداة قمع إلى رافعة إبداعية وإنجازية.

 

مفهوم السعادة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى