مقالات

الفجوة القيمية

بقلم الكاتبة: عبير بن صديق  

بقلم الكاتبة: عبير بن صديق  

في جوهر الكينونة الأنثوية، لا يكمن الأمان في الحضور الفيزيائي لمن يمدّ يده حاميًا،
بل في حضورٍ أعمق، يمنح الطمأنينة الوجودية لا الأمنية؛
حضور تتجلّى فيه الطاقة الذكورية بوصفها انسجامًا قيميًّا ومعنويًّا،  لا مجرد حماية مادية أو رعاية خارجية.

المرأة، حين تبلغ وعيها الناضج، تدرك أن قدرتها الذاتية ومعارفها ومهاراتها
قد تمكّنها من سدّ الفجوات الحياتية، وأنها قادرة على حماية نفسها ماديًا ونفسيًا،
لكن هناك فجوة لا تملؤها القوة: الفجوة القيمية.

فإن وجدت ذاتها تعيش مع من لا يشاركها منظومتها وبوصلتها الأخلاقية،
ولا يرى العالم بعين مماثلة،
ولا يحمل همّ الإنسان بذات النقاء أو العدل،
فإنها، مهما تلقت من حماية، تشعر بالخذلان الصامت.
ذلك أن ما ينهك الروح ليس الخوف من الخارج، بل الغربة في الداخل.

حين تُصان القيم في العلاقة،
وحين تُفهم المرأة لا لأنها صريحة، بل لأنها مألوفة للقلب المقابل،
يصبح ذلك أثمن من ألف مظلة أمان خارجي.

ففي غياب التوافق القيمي،
تصبح العلاقة شكلًا بلا جوهر، ومأوى بلا دفء،
وتبدأ الروح بالتآكل في صمتٍ طويل.

الانفصال هنا ليس خيانة للحب،
بل وفاء للذات التي لم تجد نفسها في الطرف الآخر.

فما يحفظ العلاقة ليس حضور الجسد،
بل اتساق المعنى —
لا كأفكارٍ مجردة، بل كأرضٍ تُزرع وتُسقى ويحصدها الطرفان معًا.

الرجل الذي لا يحمي الجسد فقط، بل يحمي القيم،
يمنح المرأة الأمان، ويمنحها إذنًا بأن تكون كما هي،
بكل امتلائها وتناقضاتها وأسئلتها الكبرى.

وحين تتفق القيم ضمنيًا داخل العلاقة،
تصبح هي نفسها طريقًا نحو الحرية، والاستمرار، والدفء في آنٍ واحد.

 

بين الأمس النقي واليوم المُعلّب

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى