اتساع التجربة… الطريق الخفي نحو التميز

مي عليان العليان
منذ سنوات طويلة، ظلّت الرسالة السائدة في محيط التعليم والعمل تردد: “اختر مجالًا واحدًا، ركّز فيه منذ البداية، وستبلغ القمة.”
غير أن الواقع يخبرنا أن الحياة لا تسير على خط مستقيم، وأن التميز في كثير من الأحيان لا يأتي من الطريق المباشر الذي يعرفه الجميع، بل من مسار آخر خفيّ: مسار التجربة الواسعة وتعدد المحطات.
فكل تجربة جديدة تمنح صاحبها زاوية نظر مختلفة، وتضيف إلى رصيده مهارة جديدة، حتى يتحول التنوع ذاته إلى سرّ يفتح أبواب الإبداع والمرونة. وهنا تكمن الحكمة التي أبرزها كتاب Range للكاتب ديفيد إبستين: أن النجاح ليس حكرًا على من سلكوا التخصص المبكر، بل هو كثيرًا ما يكون ثمرة أولئك الذين سمحوا لأنفسهم بخوض تجارب متنوعة قبل أن يجدوا مجالهم النهائي.
في بيئة العمل، الموظف الذي يطرق أبواب أدوار مختلفة، يبني شبكة واسعة من الخبرات، ويصنع حضورًا أقوى مع كل تحدٍّ جديد. فكل دور يخوضه يصبح بمثابة طبقة إضافية من القوة والمرونة، تمنحه القدرة على التكيف والابتكار مهما تبدلت الظروف.
صحيح أن بعض المجالات تتطلب التخصص المبكر، كالطب الجراحي أو الفنون الدقيقة، لكن الغالبية العظمى من مجالات الحياة والعمل اليوم تكافئ من يوسّع مداركه ويغتنم تنوع التجارب. فتنوع الخبرات بات جواز المرور الحقيقي للتميز في عالم سريع التغير، حيث لا يكفي أن نكون خبراء في زاوية واحدة، بل أن نكون قادرين على رؤية الصورة كاملة.
إذن، ليست القاعدة أن التنوع يبعثر، بل أنه يكشف طرقًا خفيّة نحو التميز. فالنجاح كثيرًا ما يبدأ من التجربة الواسعة، ثم يترسّخ حين يجد الإنسان التخصص الذي يجمع فيه بين الشغف والخبرة المتراكمة.



