من رحابة النسيان إلى مساءلة الحضور
قراءة سيميائية وجودية نفسية لقصيدة “ولاشيء في النسيان إلا اسمك”

د .آمال بوحرب تونس
قراءة سيميائية وجودية نفسية لقصيدة “ولاشيء في النسيان إلا اسمك”
للشاعر والكاتب بوبكر عموري يقول الشاعر :
الى النفري
ولاشيء في النسيان
إلا اسمك
معلقة في باب خيبر
والله وكل الصحابة كفروا بماء الزمان في دفتر غابر للخطيئة
ومر زنجي فناله بياض الكلام
غير ان معاوية
ابن ابيه
قال لا شيء
دون الخلافة من عبيد
فإن كانوا بيضا نناكحهم
وإن كانوا من البيض
نساورهم
وإن كانوا بلون المواعيد دون قمر
نرمي لهم
ماتبقى من ثريد ولاتهم
سيحسون بكل خساسة ما انتهكنا
أنهم من كلاب لنا في الطريق
كل سواد الرق جاء من جيب نبي
فلم تكتبون علينا بذاءتكم
باسم إلاه نائم
وكل الله من عنت يفيق
…
ياسيدا لم يكن إلا بماله
أو كان بماله
سترى
إن العبد
ليس إلا من سار ضد أسياد التجارة
والعبارة
والنقيق
….
وقال لي من كان في النسيان غايتنا
إن
البحار
إذا ماجت
تضيق
…
كأن عبارتي قالها النفري.
ب.ح.ع

يشكّل النص الشعري الحديث فضاءً رحبًا للإبداع اللغوي والمعنوي حيث تتشابك العلامات لتنسج شبكة معقدة من الدلالات تتجاوز الحكي البسيط نحو مساءلة عميقة للوجود والمجتمع والتاريخ. في هذا السياق تتجلى قصيدة “ولاشيء في النسيان إلا اسمك” كنموذج فذ يتداخل فيه التراث الديني والتاريخي مع أسئلة الذاكرة والهوية والسلطة في خطاب مضاد لكل مركزية قاهرة وثبات تقليدي
اعتمدت في هذه القراءة المنهج السيميائي لفك شفرات النص واستكشاف مستويات معناه المتعددة مستلهمة تأملات النفّري في فن الكشف البلاغي وعمق التشخيص الوجودي في نصوص تشيخوف ورهافة التعبير عن الذاكرة والجسد في أعمال أحلام مستغانمي لعلي بذلك أصل إلى تحليل فكرة النص الوجودية وابراز كيف تتحول اللغة إلى وعي متجدد وموقع تمرد يستعيد الحضور من رحم النسيان ويفكك ثوابت السلطة والمقدس .
النص بين الرمزيّة انكسار المقدس
تقوم القصيدة على شبكة من الرموز المحملة بثقل تاريخي وديني مثل باب خيبر ومعاوية والنبي لكن هذه العلامات تفكّك وتتنافس في فضاء السرد بنزعة انتقادية تهدم الهالات المقدسة. تمثل هذه الرموز مساحات مساءلة للسرد الديني والاجتماعي الذي غالبًا ما يفرض السلطة والهيمنة
اللون يتجلى ثنائيًا بين بياض الكلام وسواد الرق حاملًا معاني الصراع الطبقي والعرقي حيث يتحوّل إلى علامة اجتماعية تنفض الأفكار المتكررة عن التمييز والاستبداد. أحلام مستغانمي استخدمت الجسد في رواياتها بوصفه حقلًا تعبيريًا لمسائل الهوية والذاكرة والتمرد بينما يقدم تشيخوف سردًا بصريًا دقيقًا لصراعات الإنسان في تفاصيل الحياة اليومية حيث تنطق اللحظات الصغيرة بمعاناة إنسانية كبرى.
سؤال الوجود – التوتر بين الحضور والغياب:
تبدأ القصيدة من مفهوم النسيان لكنها تمنح الاسم قوة الحضور كشاهد على الذات في وجه الطمس. يتشابك البعد الوجودي بين الغياب والحضور حيث يصبح الاسم علامة استمرارية واحتجاج على الطمس ويظهر التحول من ذات مستسلمة إلى ذات متمردة في العبارة “العبد ليس إلا من سار ضد أسياد التجارة والنقيق” التي تمارس ثورة لغوية وأخلاقية على تصنيفات السلطة التقليدية.
تشيخوف يرسم عتمة الاغتراب واليأس في تفاصيل صغيرة لواقع الفرد في حين تغدق مستغانمي فهمًا للذاكرة بوصفها مساحة للنضال لاسترداد الذات من قبضة الفقد والهوان لتبني خريطة صراع نفسي واجتماعي متواصل.
الذات المقهورة وسيمياء الألم والتمرد.
القصيدة تقدم مكاشفة نفسية حادة في عبارات مثل “إلاه نائم” و*“كل الله من عنت يفيق”* التي تنبض برغبة اليقظة والتمرد على الأب الأعلى الثقافي والاجتماعي. تعبير “يا سيدًا لم يكن إلا بماله” يكشف هشاشة السلطان وإمعانه في السيطرة
تتلاقى هذه المشاهد مع خطاب مستغانمي في رصد التحولات النفسية والكينونية بين الحزن والتمرد في علاقات فقدان الحب والذاكرة والذات. وفي الوقت نفسه يظهر تشيخوف في رسم شخصيات تكافح في دهاليز الحياة دون بصيص أمل ليبقى شعور التساؤل وانكسار الواقع حاضرًا في النص.
لغة الكسر بين بلاغة الحافة وتمرد الخطاب
لغة القصيدة ترتكز على منطق الحافة والتمرد فهي تفتح المعنى أمام فضاء معرفي عريض بين الكلام والصمت الكشف والغموض في بلاغة تقارب بلاغة النفّري في مخاطبته الروحية. لغة مستغانمي بما تحمله من سحر العطب والذاكرة تصنع نصوصًا مقاومة للنسيان والجمود حيث يكتب الجسد تاريخ الألم والهوية. تشيخوف بلغته الهادئة والبسيطة يختزل لحظات الوجود المؤلمة فلا الصمت سوى خطاب موجه ولا اللحظة العابرة سوى حضور أزلي
المقاربة الوجودية :
تجسّد شخصية تشيخوف الإنسان في مأساة الزمن والفقد حيث يتحوّل البؤس الفردي إلى رمز إنساني يلامس وجدان القارئ كما في قصة “ظل الأم” التي تعكس ثبات الحب رغم تقلبات الحياة اليومية. وفي الوقت نفسه تصحبنا مستغانمي في رحلة نحو صراعات الذاكرة والذات حيث تُعاد صياغة سردها على ألم الجسد وتمزق الذكرى ليصبح الحضور الإنساني متمردًا وأصيلًا في نصوصها ،القصيدة “ولاشيء في النسيان إلا اسمك” تدمج هذين المستويين فتفكك الأساطير الدينية والتاريخية وتضع الذات في مواجهة مستمرة مع السلطة والذاكرة. تتحوّل اللغة فيها إلى أداة لتأكيد الحافة بين الصمت والكلام الوجود والعدم التمرد والقبول في دائرة متكاملة من التفاعل الإنساني مع عالم متحول حيث يصبح الاسم رمزًا للحضور الدائم رغم غياب الشخصيات وتغير الأزمنة.
النفّري والكشف البلاغي في مواجهة النسيان
ينطلق النفّري في مخاطباته وفلسفته البلاغية من مفهوم الكشف الروحي والوعي الذاتي العميق حيث تصبح اللغة أداة لفضح الغيب والخفاء. في قصيدة “ولاشيء في النسيان إلا اسمك” يتجلى أثر هذه الرؤية بوضوح، إذ تتحوّل الكلمات إلى علاماتٍ تفضح صمت التاريخ وتقلبات الذاكرة. النسيان هنا لا يُفهم كفراغ، بل كمجال للكشف عن الذات والهويّة، حيث يحل الاسم كحاملٍ للوجود وضامنٍ لاستمرارية المعنى في مواجهة طمس التاريخ والسلطة. يتماهى النص مع رؤية النفّري في تعريض الثوابت الدينية والاجتماعية للنقد الرمزي، مستحضراً وظيفة اللغة كأداة كشفية تمكّن الذات من مواجهة الهويات المفروضة وتعيد صياغة حضورها في عالم متغير .
تظل قصيدة “ولاشيء في النسيان إلا اسمك” نموذجًا سيميائيًا يفكك العلامات الثابتة ليحوّلها إلى بوابة تأويلية تُعيد إنتاج الذاكرة والتمرد عبر لغة شديدة الخصوصية والحساسية. إنها قصيدة تعيد تعريف النسيان بوصفه ميدانًا تتحوّل فيه الذات ونصها الشعري إلى فضاء للصراع من أجل الحضور والاعتراف. الشعر هنا مساحة كشف حي يكسر ثوابت التاريخ والمقدس ليؤكد على الذات الباحثة عن معنى في زمن اختفى فيه الكثير وكل اسم يظل صدى متجدد في رحابة الوجود
قلق الخطى وسؤال الوجود مقاربة فلسفية في عوالم حسن البطران السردية



