مقالات

معادله الصداقة في التربية

بقلم : حنان سالم باناصر

بقلم : حنان سالم باناصر

في زمن تتسارع فيه الحياة وتتشابك فيه المؤثرات من حول أبنائنا، تظل الصداقة بين الوالدين والأبناء أحد أهم أسرار التربية الناجحة. أن تكون صديقًا لابنك لا يعني أن تتخلى عن دورك التربوي، بل أن تمزج بين الحزم والود، وبين التوجيه والحوار، لتفتح له أبواب الثقة والراحة في الحديث معك.

قال الله تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ [طه: 132]، وفيها إشارة إلى الرعاية المستمرة بالحزم الممزوج بالرفق والاصطبار.

الحوار اليومي مع الأبناء يفتح قلوبهم ويزيل الحواجز بينهم وبين والديهم. حين تسألهم عن تفاصيل يومهم ومواقفهم، وتستمع بلا مقاطعة ولا لوم، فإنك تمنحهم شعورًا بالأمان والاهتمام، وتجعلهم يلجؤون إليك طواعية. ومن خلال هذه المساحة تتاح لك الفرصة لتعليمهم كيف يختارون أصدقاءهم، وكيف يميزون بين من يستحق أن يكون قريبًا منهم ومن لا يستحق.

ومع متابعة تفاصيل يومياتهم، تستطيع أن تغرس فيهم مهارة تنظيم الوقت وتخطيط الحياة. شجعهم على كتابة برامج يومية وأهداف صغيرة، ليكتشفوا أن الأحلام الكبيرة تحتاج إلى خطوات متدرجة، وأن الطموحات يجب أن تُوازن بالقدرات الشخصية ومتطلبات سوق العمل.

وحين تنشأ بينك وبين أبنائك علاقة قائمة على الصراحة والشفافية، فإنهم سيشاركونك حتى في تفاصيلهم الخاصة، وهنا يكون توجيهك أكثر أثرًا، فتدلّهم على الاهتمام بالنظافة الشخصية، والعناية بالمظهر، وتقدير الذات.

كما تستطيع أن تدفعهم لخوض التجارب العملية عبر الأعمال التطوعية والأنشطة الاجتماعية، ليكتسبوا خبرات جديدة، ويوسعوا شبكة علاقاتهم، ويكتشفوا مهارات قد لا يعرفونها عن أنفسهم.

ولا يكتمل بناء الشباب من غير الرياضة؛ فهي المتنفس الأمثل لطاقة مفعمة بالحيوية. ممارسة كرة القدم، السباحة، الكاراتيه، التايكوندو أو غيرها من الرياضات اليومية تصقل الجسد، وتهذب النفس، وتبعد الأبناء عن استنزاف أوقاتهم في الأجهزة والألعاب الإلكترونية.

وهنا نتذكر قول النبي ﷺ: “كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته” [متفق عليه]، لتتضح لنا عظمة الأمانة الملقاة على عاتق الوالدين؛ فهي لا تقتصر على تربية الجسد بل تمتد لبناء القلوب وغرس القيم وإعداد الأجيال للمستقبل.

وكلما كانت العلاقة بين الوالدين والأبناء قائمة على الصداقة والحوار والاحتواء، كلما كان الأبناء أوفى وأقرب، يلجؤون إلى أهلهم عند كل صعوبة، ويجدون فيهم السند والرفيق، بدل أن يبحثوا عن بدائل في الخارج. فالصداقة مع الأبناء ليست ترفًا، بل هي أساس التربية الحديثة والنبويّة، وطريق لبناء جيل واثق، متزن، قادر على مواجهة تحديات الحياة بقوة واطمئنان.

فلتكن البداية اليوم؛ خصّص دقائق تسأل فيها ابنك عن يومه، أنصت له بابتسامة، واحتويه بصدر رحب، وامنحه شعورًا بأنه الأهم في عالمك. هذه اللحظة الصغيرة قد تكون حجر الأساس لعلاقة عمرها طويل، ولجيلٍ ينهض بقوة الحب والقدوة.

قوة الكلمة بين التتويج والخذلان

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى