مقالات

أسباب صلاح الأولاد

بقلم : حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري

بقلم : حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري

بسم الله الرحمن الرحيم

   الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله ، وصحبه ، ثمَّ أمَّا بعد :      

أخي القارئ الكريم : لقد عني دينُنا الإسلامي بتربية الأبناء والبنات أيما عناية ، ورغب في تنشئتهم التنشئة الإسلامية الصحيحة من صغرهم؛ وإلى أن يبلغوا مبلغ الكبار ليكونوا لَبِنةَ صالحةً لأسرهم ، ومجتمعهم ، ووطنهم ، وأمتهم الإسلامية بأسرها ، ولتحصل النجاة لهم ، ولأهليهم من عذاب الله القائل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) [ التحريم : 6 ] .

أخي القارئ : هناك أسبابٌ عظيمة ونافعةٌ تكون بإذن الله سبباً في صلاح أبنائنا وبناتنا ، وإليكم هذه الأسباب ؛ وهي على النحو التالي :

1- هداية الله وتوفيقه للوالدين ، وأولادهم ، ولمن أراد الله هدايته إلى الطريق المستقيم ؛ فالهداية والإضلال كلُّها بيد الله وحده ؛ وصدق الله تعالى إذ يقول : ( مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا ) ( الكهف : 17 ) فاطلبوا الهداية من ربكم إلى الصراط المستقيم ؛ تفوزوا وتفلحوا في دنياكم ، وأخراكم .

2– اختيار الرجل الزوجة الصالحة ؛ ذات الدين الصحيح ، والخلق الحسن ؛ لتكون سبباً لصلاح زوجها ، وذريتها ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : { تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا ، وَلِحَسَبِهَا ، وَلِجَمَالِهَا ، وَلِدِينِهَا ، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ } متفق عليه ، وكذلك اختيار المرأة الزوج الصالح ذا الدين الصحيح ، والخلق الحسن ؛ ليكون صلاحه سبباً لصلاح زوجته ، وأولاده ؛ قال صلى الله عليه وسلم : { إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ ، وَدِينَهُ ؛ فَزَوِّجُوهُ ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ } رواه ابن ماجه في سننه ، وصحَّحه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 1022 .

3- ذكر الرجل لربه ، ودعائه عند إرادة الجماع لزوجته ، لقوله صلى الله عليه وسلم : { لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ : بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا ؛ فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا } متفقٌ عليه .

4– أن يتفقه الوالدان في دين الله ؛ ويعرفا قدراً طيباً من شريعة الله ليتم العمل بذلك منهما ؛ ويربيا أولادهما على شريعة الله ؛ عقيدةً ؛ وعبادةً ومعاملةً ؛ وأخلاقاً وسلوكاً ، فإن عاش الوالدان على جهلٍ بدين الله وشريعته ؛ انعكس هذا الجهل على تربية أولادهما ؛ ففاقد الشيء لا يعطيه كما يقال ؛ ويحملنا هذا الأمر على أهمية مجالس العلم ؛ وحضور دروس العلماء السلفيين ؛ وسؤالهم عما أشكل عليهم من دينهم ؛ ليستفيدوا منهم وأولادهم جميعاً ؛ ولتثمر هذه المجالسة في صلاح الوالدين وأولادهما جميعاً ؛ وبالجهل بالدين الإسلامي ؛ وعدم مجالسة العلماء ؛ وما عندهم من العلوم الطيبة ؛ وعدم سؤالهم عما جهلوه من أمر دينهم ؛ فإنَّ ذلك يكون سبباً في فساد الذرية من بعدهــــم إلا من هداه الله ووفقه ؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم : { مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّيْن ) رواه البخاري في صحيحه ؛ وقال صلى الله عليه وسلم : ( مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ ، وَيُنَصِّرَانِهِ ، وَيُمَجِّسَانِهِ } متفقٌ عليه .

5– أمر الوالدان الأبناء والبنات بما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ونهيهم عن كلِّ ما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم ؛ وتكون بالحكمة ؛ والموعظة الحسنة ؛ قال صلوات الله وسلامه عليه : { مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ } رواه أحمد في مسنده ، وصحَّح الحديث الألباني في إرواء الغليل برقم 247 .

6– شكر الأبناء والبنات ، والثناء عليهم ، وتحفيزهم على عملٍ صالحٍ فعلوه ؛ أو عن عملٍ سيئٍ تركوه ؛ ليكون ذلك له الأثر الحسن في نفوس الأولاد ؛ وتمسكهم بدينهم ؛ والبيان لهم أن ما ينتظرهم عند الله من الفضل العظيم ، والثواب الكبير في جنات النعيم أكبر وأعظم .

7– كثرة الدعاء للأولاد بصلاح الحال والمآل ، وما ينفعهم ويفيدهم دنياً وأخرى ؛ وأنَّ دعوة الوالدين لأولادهما دعوةٌ مستجابةٌ ؛ والحذر كلَّ الحذر من الدعاء عليهم مهما يكن ؛ وقد قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً ) ( الفرقان : 74 ) وقال صلى الله عليه وسلم : { لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ ، فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ } روه مسلم في صحيحه .

8– أن يكون الوالدان قدوةً صالحةً لأولادهما ؛ بحيث لو رأى الابن من والده خيراً فعله ؛ وإن رأى من والده شراً تركه ، وكذا الحال مع الأم وابنتها ؛ أمَّا إذا رأيا من والديهما أو أحدهما شراً لا خيراً ، وفسقاً لاطاعةً فإنَّ ذلك ينعكس سلباً على دين الأولاد وأخلاقهم ، وما أحسن قول القائل :

لاتنه عن خلقٍ وتأتي مثله

عارٌ عليك إذا فعلت عظيم

9- وجوب متابعة الوالدين لأولادهما فيما يفعلون ؛ ومن يصاحبون ، فإن كان أصدقاؤهم صالحين سلفيين ، فما أحسنهم ، وأجملهم ، وإن كانوا من أهل الفسق والبدعة ؛ فكيف يرجى الصلاح من ورائهم ، وقد النبي صلى الله عليه وسلم : { الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ } رواه الترمذي في سننه ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ : إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ .

10– متابعة جوالات الأبناء والبنات ، والنظر فيما ينظرون ؛ وماذا يسمعون فيها وفي برامجها المختلفة ؛ وكذا القنوات الفضائية المتعددة التي فيها الغث والسمين ؛ وليكن ذلك بلطفٍ وحلمٍ وحكمةٍ ؛ وتوجيههم لاختيار النافع المفيد منها ؛ وترك ما يضرهم منها في عقيدتهم وأخلاقهم ؛ والبيان لهم بأنّ هذه الوسائل الإعلامية ، ومواقع التواصل الاجتماعي سلاحٌ ذو حدين فيها الصالح والطالح ، والعاقل من يهتم فيها بما يفيد ، ويترك منها ما يضره في دينه ودنياه وآخرته .

أخي القاريء الكريم : هذه بعض الأسباب المشروعة والمباحة ، في تربية الأبناء والبنات وصلاحهم واستقامتهم ، فإن أهملنا التربية ، وتركنا أولادنا يفعلون ما شاءوا ، وكيف شاءوا فسيكون ذلك سبباً في انحرافهم في دينهم ، وأخلاقهم ، وسنبوء نحن الآباء والأمهات بالإثم العظيم ؛ والعذاب الأليم إن أضعنا تربيتهم ، وتعديل سلوكهم ؛ بالتي هي أحسن ؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم : { مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ } رواه مسلم في صحيحه ؛ نسأل الله أن يهدينا جميعاً ، وأولادنا ، وزوجاتنا ، وقراباتنا ، وجميع المسلمين للتي هي أقوم ، ونسأل الله أن يعفو عن خطأنا وتقصيرنا ، وسيئات أعمالنا ، إنَّ ربنا غفورٌ رحيم ؛ اللهم حبِّب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا ، وكره إلينا الكفر ، والفسوق ، والعصيان ، واجعلنا من الراشدين

. اللهم آمين .

خطر الدُّخان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى