النجاح المستدام: أن تصل دون أن تنطفئ

الكاتبة : احلام اليحياوي
في زمنٍ يسابق فيه الناس ساعاتهم، أصبح الإنهاك يُقدَّم على أنه دليل طموح، وكأن التعب وسام يُعلَّق على الصدر. نرى من يعمل بلا توقف فنصفّق له، متناسين أن الثمن يُدفع من الجسد والعقل والروح. لم يعد النجاح أن تعمل حتى تنهك، بل أن تعرف كيف تعمل دون أن تفقد نفسك في الطريق.
العمل المتواصل بلا وعي لم يعد تفانيًا، بل استنزافًا مقنّعًا باسم الإصرار. فالقيمة الحقيقية ليست في عدد الساعات، بل في جودة ما تقدمه واتزانك أثناء تقديمه. من يحرق نفسه ليصل أسرع يكتشف لاحقًا أنه خسر أغلى ما يملك: القدرة على الاستمرار. النجاح لا يحتاج بطلاً منهكًا، بل إنسانًا يعرف كيف يوازن بين جهده وراحته ليبقى حاضرًا في حياته كما هو في عمله.
جيل اليوم يدرك أن الطموح لا يُقاس بالجهد المفرط، بل بذكاء الإدارة والوعي بالذات. لم يعد السهر الطويل شهادة نجاح، ولا التعب المستمر دليلاً على التفاني. العالم تغيّر، وأصبح يثمّن من يعرف كيف يحافظ على طاقته، ويعمل بصفاء يفتح باب الإبداع لا باب الإرهاق.
الطموح الحقيقي ليس أن تصل بسرعة، بل أن تصل وأنت ما زلت قادرًا على الحلم. النجاح المستدام هو أن تنجز دون أن تنطفئ، أن تتقدم دون أن تترك نفسك خلفك. فاعتنِ بنفسك كما تعتني بأهدافك، لأنك إن فقدت طاقتك، فقدت طريقك أيضًا. النجاح لا يُقاس بما نحرقه من الوقت، بل بما نبقيه من نور في داخلنا لنواصل الطريق.



