مقالات

حين تفقد صورتك في مرآة الآخرين: عن وهم “عدم الكفاية”

أهداب المنديلي

أهداب المنديلي

في زمن تتعدد فيه المقاييس وتتضارب فيه التوقعات، بات كثيرون يعيشون في صراع مستمر مع ذواتهم، لا لأنهم فقدوا جوهرهم، بل لأنهم توقفوا عن رؤيته.

فبين نظرات المجتمع، ومعايير النجاح المفروضة، وآراء العابرين، ينشأ وهمٌ خفيٌّ يهمس:“أنا لست كافيًا.”

مشهد تعبيري بسيط يتداول عبر وسائل التواصل الاجتماعي يختزل هذه الحالة: سمكة ملوّنة تقف أمام مرآة ضيقة، فلا ترى سوى خط باهت، وتهمس في حزنها: “أنا لست كافية”.

الرسالة واضحة: حين ترى نفسك من زاوية لا تنتمي إليك، ستبدو دائمًا أقل مما أنت عليه.

إعادة تعريف القيمة

القيمة الحقيقية للفرد لا تُقاس بردود الأفعال، ولا تُختزل في مدى القبول الاجتماعي أو التوافق مع المعايير السائدة.

إنها انعكاسٌ داخليٌّ للمعرفة الذاتية، والوعي بالقدرات، والإيمان بالمسار الشخصي، مهما اختلف عن السياقات العامة.

لكن في بيئات العمل، والمجتمعات ذات النزعة التقييمية العالية، غالبًا ما يُعاد تعريف الإنسان بحسب أطر خارجية:

• يُصنَّف المتأمل بالانعزال،

• ويُفسَّر الحذر ضعفًا،

• وتُساء قراءة الهدوء على أنه قلة حماس.

هذا التحجيم لا يعبّر عن الواقع، بل يعكس قصور المنظومة في احتواء التنوع البشري.

خطر المرايا المحدودة

تكمن الخطورة حين يستبدل الإنسان مرآته الداخلية بتصورات الآخرين، فيعيش داخل صورة مشوهة لا تعبّر عنه.

وما يبدأ كحُكم خارجي، يتحول مع الوقت إلى قناعة ذاتية، تكرّس الإحساس بالنقص، وتُقيّد الإمكانات.

ولهذا، فإن أول خطوة نحو التحرر تبدأ بطرح السؤال الجوهري:

“هل هذه رؤيتي لذاتي، أم تصوّر الآخرين عنها؟”

من العمل إلى المجتمع: دعوة لمراجعة المنظور

تحتاج المؤسسات كما الأفراد إلى إعادة النظر في مفاهيم التقدير والنجاح.

فالتمسّك بقوالب نمطية، أو نماذج مثالية جامدة، لا يساهم سوى في إقصاء الطاقات الفريدة، وتهميش الكفاءات التي لا تتوافق مع الشكل السائد.

إن تبني ثقافة تعترف بالاختلاف، وتحتفي بالفردانية الإيجابية، ليس خيارًا تجميليًا، بل ضرورة تنموية وإنسانية.

ختامًا

إن الشعور بعدم الكفاية ليس دائمًا نتيجة تقصير، بل كثيرًا ما يكون انعكاسًا لزاوية نظر ضيقة.

ولعل السؤال الأهم ليس: “لماذا لا يرونني كما أنا؟”

بل: “لماذا أتوقف عن رؤية نفسي عندما لا يرونني؟”

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى