حجم التأثير… حين تتحول الأرقام إلى معنى حقيقي في البحث العلمي.

. بقلم : د. عبير علي بدوي
لم تعد الدلالة الإحصائية وحدها كافية للحكم على قيمة نتائج البحوث العلمية، فكم من دراسة أظهرت فروقاً “دالة إحصائياً” لكنها تفتقر إلى أي فائدة حقيقية في الواقع! من هنا تبرز أهمية حجم التأثير (Effect Size) بوصفه مؤشراً جوهرياً للدلالة العملية، أي المقياس الذي يوضح مدى فائدة وجدوى النتائج في العالم الواقعي، لا مجرد كونها دالة إحصائياً.
فحجم التأثير يمثل الوسيلة الإحصائية التي يستخدمها الباحثون لوصف مقدار الفروق بين المجموعات أو قوة العلاقات بين المتغيرات في البحوث والدراسات الكمية. ولا يقتصر دوره على تفسير النتائج فحسب، بل يمتد ليكون ركناً أساسياً في تحديد القوة الإحصائية (Statistical Power) عند تصميم الدراسات، وفي إجراء المراجعات التحليلية البعدية (Meta-analysis) ، وكذلك عند تفسير نتائج البحوث الأساسية.
وتُجرى تحليلات القوة الإحصائية في حالتين أساسيتين:
• قبل تنفيذ الدراسة (تحليل قبلي) ، حيث يحتاج الباحث إلى تقدير حجم التأثير المتوقع من أجل تحديد حجم العينة المناسب.
• بعد الانتهاء من الدراسة (تحليل بعدي) ، بهدف تقييم مدى كفاية العينة وقدرة الدراسة على الكشف عن التأثيرات الحقيقية.
وعند التخطيط القبلي، يعتمد الباحث في تقدير حجم التأثير على الدراسات السابقة المشابهة لموضوع بحثه، وتُعد التحليلات البعدية في هذا المجال مصدراً غنياً ودقيقاً لهذه التقديرات. وإذا لم تتوفر دراسات تحليلية بعدية، يمكن الاستفادة من نتائج الدراسات التجريبية القريبة من موضوع البحث. أما في حال غياب المراجع تماماً، فيلجأ بعض الباحثين إلى افتراض أقل حجم تأثير ذي معنى يمكن الاعتماد عليه.
وهنا تتجلى أهمية الإبلاغ عن حجم التأثير في الدراسات المنشورة، إذ إنه يمثل حجر الأساس لأي تحليل بعدي لاحق، ويسهم بصورة مباشرة في دعم التخطيط العلمي السليم للدراسات المستقبلية.
ويُقصد بحجم التأثير تلك الأساليب التي تمكن الباحث من معرفة حجم الفرق أو مقدار العلاقة بين متغيرين أو أكثر. ويُعرف بعدة مسميات، من أشهرها :
• الدلالة العملية
• قوة الترابط
• مقاييس قوة التأثير
كما أن حجم التأثير يُعد اسماً لعائلة كاملة من المؤشرات الإحصائية التي تقيس مقدار تأثير المعالجة أو المتغير المستقل، ويتميز عن اختبارات الدلالة الإحصائية بكونه مستقلاً عن حجم العينة ؛ أي أنه لا يتأثر بكبر أو صغر العينة كما هو الحال مع قيم (p).
وتكمن قوة حجم التأثير في أنه لا يكتفي بإخبارنا بوجود فرق أو علاقة، بل يوضح لنا أيضاً :
• مقدار هذا الفرق أو العلاقة
• اتجاه التأثير
وقد يأخذ حجم التأثير صوراً متعددة، مثل:
• الفرق بين متوسطين
• النسبة المئوية
• معاملات الارتباط
وفي ضوء ذلك، يمكن القول إن حجم التأثير هو الجسر الذي يربط بين الإحصاء النظري والواقع التطبيقي، وهو الأداة التي تمنح الباحث القدرة على تفسير نتائجه بصورة أعمق وأكثر صدقاً. فالدلالة الإحصائية قد تخبرنا بأن النتيجة ليست عشوائية، لكن حجم التأثير وحده يخبرنا ما إذا كانت هذه النتيجة مهمة وذات قيمة فعلية في الواقع.
ومن هنا، فإن إدراج حجم التأثير في البحوث العلمية لم يعد خياراً إضافياً، بل ضرورة منهجية لضمان قوة النتائج، ووضوح تفسيراتها، وتعظيم فائدتها في خدمة المعرفة والتطبيق.
البيانات أولاً… كيف يقودك فهمها إلى التحليل الإحصائي السليم؟



