كاشيير رقم 4…الجزء الثاني


سميره بن سلمه التميمي
أغمضت عيناي عن العالم الخارجي لكني أجده متكئا في أحلامي يتوسد كل تفاصيل منامي، صراعات الزبائن، دكتاتورية المدير، في كل مرة أشعر بالإختناق من هذا الضجيج أقوم من أحلامي فزعة مذعورة من تلك الشخوص السوداء التي تصارعني في حياتي المهنية وفي منامي!
حرب بين القيم التي تربيت عليها، وبين الشهوات التي تأتيك تتدلل بين يديك رغما عنك.. في كل مرة اقول :
أصمدي ياعفاف، إياك أن تخذلي أمك، إياك أن تزعجي أباك في قبره!
كم طال الطريق ياأبي؟ أبنتك يلويها الألم، يكسر شموخها صراع القيم، أنهكتني الحياة ياأبي…. حنانيك ياأبي… متكأك الشامخ أريده… ظلك الآمن من هجير الحياة!
لا أحد مثلك ياأبي… لا أحد يتعامل معي كما كنت تتعامل بتلك الإنسانية التي لايشبهها أحد سواك
هل تذكر؟ هل تذكر عندما كنت بصحبتك في المتجر، وتطاولت عليك إحدى الفتيات اللاتي تعمل كاشيير؟ فأبتسمت في وجهها قائلا : سامحيني يابنتي أعتذر إن أخطأت ربي يحميك ويحفظك.
لقد أعتذرت ياأبي ولم تكن مخطئا أبدا… حتى خجلت الفتاة وجاءت إليك تركض معتذرة باكية، فطلبت مني تهدئتها وقلت لها : أدرك شعورك وكل الضغوط التي جعلتك تصرخين في وجهي لأني ابوك والأب لايغضب من أبنته….
آآآه ياأبي….. صحوت من نومي ودموعي تغطي ملامح الكون من حولي، دفنت وجهي بين وسادتي وسمعت أبي نعم سمعت صوته يقول لي :
“عيناكِ لم تخلقْ ليسكُنها الأسى
أبدًا وليسَ بها البُكـاء يليقُ”
أبتسمت… تلفت يمينا وشمالا… شعرت بروحي تطير بحثا عن جسده، عن حضنه الدافئ، وصرامته الأنيقة.
أغلقت عيناي سمعت صوته مرة أخرى يزحف من بعيد قائلا : كم يوجع الخطب إذا ماأحتدم
وجرع الضلوع كأس الألم
كتمانه مر وإفضاؤه لله روح وللناس ندم
حركت رأسي موافقة صوته الذي أمتلأ بداخلي.
تسربلت في دثارات أمني بين سجادتي ومصحفي حتى أمتلأت قوة وصمودا ثم استسلمت لنوم عميق.
………….
2… في العمل
(سُجَّاد) ليس اسم تلك القطعة التي نفترشها كلما تأهبنا للوقوف بين يدي الله. بل هو إسم العامل الذي يرافقني في نهاية الكاشير رقم 4 لينهي سلسلة بضائع كل زبون في مثواها الأمن. كنت دوما أشعر بأن ( سجاد) مصدر أمان لي لا أعلم لماذا!؟ ربما لشدة تمسكه بالكاشير رقم 4 مهما كانت ضغوط الأعمال الأخرى. كنت أشعر أنه الرمادي الوحيد في هذا العالم الصاخب، ورغم إنه من باكستان إلا أني كنت أشعر أنه الوحيد الذي يعرف حزن عفاف، وفرحها، ضجيجها وهدوئها!!
كنت أشعر أن ( سجاد) دعوة أمي التي ترافقني كلما خرجت و هدية رب العالمين لي، كان ولازال نقطة مرنة تخفف علي الكثير من الضغوط… كان سجاد يحترم عدم رغبتي في الحديث مع أي شخص مهما كان، وكان عندما يشعر بحزني يحكي لي حكاية اسمها التي لا أمل من سماعها رغم أنها المرة الألف أو أكثر… وكان يقولها بلهجته المتكسرة التي تجعلني أبكي من شدة الضحك…
قال لي : أبي ذهب للحج ثم سمع العمال في الحرم يقولون سنطوي السجاد للتنظيف، فأعجبته الكلمه ثم عندما ولدت قال لأمي سموه سجاد، وأنا أقول سجاد سجاد، الحمد لله أن أبي لم يسمع سيراميك!!! تخيلي إن إسمي سيراميك…. فلا اتمالك نفسي حينها من شدة الضحك على قصته المضحكة.
يتبع….