مقالات

البيانات أولاً… كيف يقودك فهمها إلى التحليل الإحصائي السليم؟

بقلم : د. عبير علي بدوي 

بقلم : د. عبير علي بدوي 

تُعدّ عملية التحليل الإحصائي من أهم الوظائف الأساسية في علم الإحصاء، كما تمثل مرحلة محورية وضرورية في مسار البحث العلمي، إذ ينتقل فيها الباحث من مجرد جمع الأرقام إلى تفسير الظواهر العلمية واستخلاص النتائج التي تُبنى عليها القرارات والتوصيات. ولا يمكن لأي بحث علمي رصين أن يحقق أهدافه دون تحليل إحصائي دقيق ومُحكم.

وعلى الرغم من أن التحليل الإحصائي يحتاج إلى خبرة واسعة وفهم عميق لأساليبه ومفاهيمه، فإن التطور المتسارع في برامج التحليل الإحصائي قد أتاح للباحثين سهولة كبيرة في إجراء مختلف أنواع التحليلات. فأصبح من الممكن تنفيذ اختبارات معقدة خلال وقت قصير وبجهد أقل غير أن هذه السهولة التقنية لا تعني الاستغناء عن الخبرة العلمية، إذ يبقى نجاح التحليل مرهوناً بمدى قدرة الباحث على اختيار التحليل الإحصائي المناسب لطبيعة بياناته وأهداف دراسته.

أولاً : أنواع البيانات وأهميتها في تحديد نوع التحليل .

يبدأ الاختيار الصحيح للتحليل الإحصائي من تحديد نوع البيانات التي يتعامل معها الباحث، لأن طبيعة البيانات تفرض بشكل مباشر نوع الاختبار الإحصائي المناسب. وتنقسم البيانات بشكل عام إلى:

• البيانات النوعية (الاسمية والترتيبية): مثل الجنس، التخصص، المستوى الوظيفي، والتي تُعبّر عن فئات لا تقبل العمليات الحسابية المباشرة.

• البيانات الكمية (الفترية والنسبية): مثل الدرجات، الأطوال، الأوزان، والدخل، وهي بيانات رقمية تُستخدم معها معظم الاختبارات الإحصائية الاستدلالية.

إن الخطأ في تصنيف نوع البيانات يؤدي بالضرورة إلى اختيار تحليل غير مناسب، وبالتالي إلى نتائج غير دقيقة أو مضللة.

ثانياً: ضرورة تهيئة البيانات قبل التحليل الإحصائي .

قبل الشروع في إجراء أي تحليل إحصائي ، لا بد من المرور بمرحلة أساسية تُعرف بـ تهيئة البيانات أو تنظيف البيانات، وهي خطوة لا تقل أهمية عن التحليل نفسه. وتشمل هذه المرحلة:

• التأكد من اكتمال البيانات وعدم وجود قيم مفقودة غير مبررة.

• اكتشاف القيم المتطرفة ومعالجتها إحصائياً.

• ترميز البيانات النوعية بصورة رقمية صحيحة.

• التحقق من تحقق افتراضات الاختبارات الإحصائية مثل الاعتدالية والتجانس.

إهمال هذه المرحلة قد يؤدي إلى تشويه النتائج مهما كان نوع التحليل المستخدم دقيقاً ومتقدماً.

ثالثاً: كيف نختار التحليل الإحصائي المناسب؟

يواجه كثير من الباحثين تساؤلات جوهرية، من أبرزها:

كيف نختار التحليل الإحصائي المناسب؟ وما المتطلبات التي يجب توفرها حتى يتم هذا الاختيار بصورة علمية صحيحة؟

إن الإجابة تعتمد على مجموعة من العناصر المتداخلة، من أهمها:

• طبيعة مشكلة البحث وأسئلته.

• عدد المتغيرات ونوعها (مستقلة، تابعة).

• مستوى قياس المتغيرات.

• حجم العينة وعدد المجموعات.

• طبيعة الفروض الإحصائية المراد اختبارها.

وأي خلل في أحد هذه العناصر قد يقود إلى اختيار غير دقيق للتحليل، وبالتالي إلى نتائج ضعيفة القيمة العلمية.

رابعاً: دور المخططات الإرشادية في تبسيط الاختيار .

نظراً لاتساع مجال التحليل الإحصائي وتشعبه، لجأ المختصون إلى تصميم مخططات إرشادية تساعد الباحث خطوة بخطوة في تحديد نوع التحليل الأنسب، انطلاقاً من أسئلة بسيطة مثل:

هل البيانات كمية أم نوعية؟

هل هناك مجموعتان أم أكثر؟

هل الهدف مقارنة أم قياس علاقة؟

وقد أثبتت هذه المخططات فعاليتها في مساعدة الباحثين في مختلف التخصصات والمستويات العلمية.

إن التحليل الإحصائي ليس مجرد مرحلة فنية تُنفذ باستخدام البرامج ، بل هو عملية علمية متكاملة تبدأ من فهم نوع البيانات، وتمر بتهيئتها وتنظيفها، وتنتهي باختيار الاختبار المناسب وتفسير نتائجه تفسيراً علمياً دقيقاً. وكلما كان الباحث أكثر وعياً بهذه المراحل، كانت نتائجه أكثر صدقاً، وأكثر تعبيراً عن الواقع، وأكثر خدمة للعلم والمجتمع.

إن الانتقال السليم من البيانات الخام إلى النتائج الدقيقة هو جوهر البحث العلمي الرصين، والتحليل الإحصائي هو الأداة الأهم لتحقيق هذا الهدف.

البعد الخفي للتعليم: أثر الشخصية في بناء تعلم فعّال.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
💬