من قياس الدرجات إلى اكتشاف القدرات : جوهر التقويم الواقعي

بقلم : د. عبير علي بدوي
لم يَعُد التقويم اليوم مجرد مجموعة أسئلة تُطرح في ورقة امتحان لإعطاء الطالب درجة رقمية، ولم يعد الهدف منه قياس التحصيل الدراسي فقط كما كان الحال في أنماط التقويم التقليدية فالعالم يتغيّر، واحتياجات المتعلمين تتطوّر، ومعهما تطوّر مفهوم التقويم ليأخذ مسارًا جديدًا أكثر عمقًا وارتباطًا بالحياة الواقعية، وهو ما نعرفه اليوم بـ التقويم الواقعي أو (Authentic Assessment).
ما هو التقويم الواقعي؟
هو تقويم يعكس إنجازات الطالب الحقيقية ويقيسها داخل مواقف واقعية ذات معنى وقيمة ليصبح التقويم جزءًا من عملية التعلّم وليس نشاطًا منفصلًا عنها. تعليم حقيقي… لا امتحانات صامتة تُستبدل الامتحانات التقليدية بمهام تعلم حقيقية ، يشارك فيها الطلاب بفاعلية ويستخدمون مهارات التفكير العليا فالطالب هنا ينغمس في مهام تأتي من الحياة، وليست مجرد أسئلة اختبارية مغلقة ؛ مهام تتطلب منه توظيف المعارف والمهارات العليا والتفكير بعمق وتحليل وربط واستنتاج. ، وهكذا يغدو التقويم نفسه نشاطًا تعليميًا ، لا مجرد قياس للمعرفة ويمكّن هذا النوع من التقويم الطلاب من ممارسة التفكير التأملي (Reflective Thinking) الذي يعدّ أداة أساسية لمعالجة المعلومات وتحليلها وانتقادها وبناء رؤية أعمق . وهو ما يعزز الربط بين التعلم والتعليم ويجعل العملية التعليمية أكثر واقعية وفاعلية.
وهنا نتسأل لماذا تغيّر التقويم؟
لأن هدفنا اليوم بناء شخصية الطالب بجوانبها المعرفية والمهارية والنفسية والاجتماعية، فالتحصيل وحده لم يعد يعكس مستوى المتعلم أو قدراته المستقبلية.
لهذا، اتسعت مجالات التقويم وتنوّعت أساليبه لتشمل:
• قياس المهارات الحياتية.
• تقدير التفكير النقدي والإبداعي .
• تقييم القدرة على حل المشكلات.
• قياس مهارات التواصل والعمل الجماعي.
• ملاحظة السلوك والتفاعل داخل مهام واقعية.
• أصبح الهدف هو تعزيز التعلم مدى الحياة لا مجرد اجتياز اختبار.
هذا التحول من التقويم التقليدي إلى التقويم الواقعي ليس مجرد تغيير في أدوات القياس، بل هو نقلة في فلسفة التعليم بالكامل.
فهو يعيد للتعلم معناه، وللطالب دوره، وللمعرفة قيمتها، ويرتقي بعملية التقييم لتصبح جزءًا من الحياة اليومية التي يعيشها الطالب، لا حدثًا عابرًا داخل قاعة امتحان.



