مقالات

ما وراء الأرقام: كيف يصمم الذكاء العاطفي الثقافة الإنتاجية في المؤسسات

بقلم الكاتبة : أهداب المنديلى

بقلم الكاتبة : أهداب المنديلى

في أماكن العمل، غالبًا ما نركز على المنطق البحت والأداء المُقاس بالأرقام، متناسين أن الواقع الفعلي يتشكل من التفاعلات الدقيقة: نبرة الصوت، الصمت، ولغة الجسد. إن العواطف قوة حقيقية، لكن مفتاح توجيه هذه القوة يكمن في الذكاء العاطفي (EQ)؛ وهو ليس مجرد مهارة ناعمة، بل الفلتر الذي يحدد جودة بيئة العمل.

الوعي العاطفي: الفارق بين النية والأثر

نحن لا ندخل مكاتبنا كآلات تفكير، بل نحضر بكامل تكويننا الإنساني، حاملين مشاعرنا وتصوراتنا عن الاستحقاق. هذا الوجود العاطفي هو المُصمِّم الفعلي للأداء: يتسارع الإنجاز بالحماس، ويتعثر بالقلق.

التحدي الأكبر يظهر مع الأشخاص ذوي الكفاءة العالية والنوايا الحسنة الذين يفتقرون للذكاء العاطفي. قد يكونون محترفين وملتزمين، لكن نقص وعيهم العاطفي يجعل تصرفاتهم مصدر توتر غير مقصود ويؤثر على الفريق أكثر مما يظنون.

مثال: موظف ذو كفاءة عالية يقود مشروعًا مهمًا، لكنه يفرط في النقد المباشر خلال الاجتماعات دون مراعاة شعور الفريق. رغم سعيه لتحسين الأداء، يشعر الزملاء بالضغط ويصبح التعاون أقل سلاسة.

• تجاهل الإشارات: عدم ملاحظة علامات الإحباط أو التوتر يؤدي إلى استياء متزايد وانخفاض الحماس.

• سوء التعبير: النقد القاسي يحوّل التحفيز إلى شعور بالعداء، رغم الهدف الإيجابي.

العواطف ليست فوضى، بل مؤشرات حقيقية: الإحباط يوضح ما يحتاج إلى تعديل، والحماس يبيّن الاتجاه الصحيح. لتحويل هذه المؤشرات إلى نتائج إيجابية، يحتاج الفريق إلى إطار مؤسسي يدمج الذكاء العاطفي كمهارة أساسية في العمل اليومي.

دمج الذكاء العاطفي في الإطار المؤسسي

• التوظيف والترقية: يتم تقييم الذكاء العاطفي كعنصر أساسي؛ الدراسات تشير إلى أن 90% من أصحاب الأداء الأعلى يمتلكون EQ عاليًا، وهو يفسر نحو 58% من النجاح في الوظائف.

• الثقافة التنظيمية: خلق بيئة تشجع التعبير الناضج عن المشاعر، مع الفصل بين التعبير العاطفي والسلوك غير المقبول.

• المساءلة والتوجيه: متابعة السلوكيات غير الناضجة وتوجيهها، مع التأكيد على أن المشكلة غالبًا مهارة وليست نية، لدعم إنسانية الموظف أثناء عملية التطوير.

الإجراءات الوقائية والقيمة الاستراتيجية

الذكاء العاطفي يُترجم إلى نتائج قابلة للقياس: تقليل النزاعات، رفع الإنتاجية، تحسين رضا الموظفين، وتقليل معدل الدوران. القادة ذوو EQ عالي يقللون احتمالية مغادرة موظفيهم بمقدار أربع مرات. الوقاية تشمل: توزيع مهام عادل، تحسين سير العمل، وتغذية راجعة قائمة على التعاطف والشفافية.

العمل ليس مجرد أداء مهام وأرقام، بل هو مساحة لاكتشاف المعنى الشخصي لكل منا. كل تحدٍ أو شعور بالضغط داخل بيئة العمل هو فرصة للتعرف على أنفسنا وفهم الآخرين بعمق. بالذكاء العاطفي، نصبح قادرين على إدارة مشاعرنا، تحويل التوتر إلى طاقة بنّاءة، وخلق بيئة يشعر فيها الجميع بالاحترام والاعتراف. حين نختار العمل بوعي كامل، لا نزيد الإنتاجية فحسب، بل نصنع معنى أعمق لكل نجاح مشترك، ونحوّل بيئة العمل إلى مختبر حقيقي للنمو الإنساني والمهني.

 

متلازمة الإنجاز الزائف: كيف يسرق الانضباط سعادتنا؟

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى