مقالات

التحوّل المتوازن” بناء بيئة خروج إيجابية في مسارات إعادة الهيكلة”   

بقلم : الكاتبة : أحلام اليحياوي 

بقلم : الكاتبة : أحلام اليحياوي 

تمر المؤسسات في مسار نموها المستمر بمراحل تتطلب إعادة النظر في هياكلها البشرية، بما يتوافق مع متطلبات المرحلة الجديدة ويعزز كفاءة الأداء. وغالبًا ما يرافق ذلك إعادة توزيع القوى العاملة أو تقليص بعض الوظائف. غير أن التحدي الحقيقي لا يكمن في اتخاذ القرار نفسه، بل في الطريقة التي يُدار بها، وفي كيفية توديع الموظفين الذين خدموا المؤسسة بإخلاص لسنوات طويلة.

فإدارة الخروج ليست مجرد إجراء إداري، بل هي تعبير عن قيم المؤسسة وثقافتها الإنسانية. فالموظف الذي أمضى عشرين عامًا أو أكثر ليس رقمًا في سجلات الموارد البشرية، بل جزء من تاريخ المؤسسة ومخزونها من الخبرة والمعرفة. وعندما يُمنح التقدير المناسب، يتحول التقاعد من عبء نفسي إلى انتقال مريح نحو مرحلة جديدة يغمرها الامتنان والرضا.

وقد بات من الملاحظ اليوم أن غالبية العاملين في مختلف القطاعات يرون أن طريقة إدارة مرحلة الخروج من الخدمة تمثل اختبارًا حقيقيًا لقيم المؤسسة وإنسانيتها. فالمؤسسات لا تُقاس فقط بقدرتها على استقطاب الكفاءات، بل أيضًا بكيفية حفاظها على علاقة التقدير مع من يغادرها.

وفي المقابل، هناك جهات رائدة في القطاعين العام والخاص بدأت تترجم هذا الوعي إلى ممارسات ملموسة، من خلال تبنّي مبادرات تجعل الخروج من الخدمة تجربة إيجابية، وتُظهر وفاءها للعطاء السابق، بل وتحتفظ بالكفاءات المتميزة عبر أدوار استشارية أو تدريبية تضمن استمرار الاستفادة من خبراتهم.

إن بناء بيئة خروج إيجابية لا يحتاج قرارات كبيرة، بل خطوات إنسانية صغيرة تترك أثرًا عميقًا، مثل:

• ترقية ختامية تقديرية تُتوّج مسيرة الموظف المهنية.

• تسهيل احتساب الخدمات السابقة ضمن التقاعد النظامي دون عناء.

• تقديم استشارات تساعد على الانتقال السلس للمرحلة التالية.

• تنظيم حفل تكريم رمزي يعكس الامتنان والاعتزاز بالعطاء الطويل.

هذه التفاصيل تصنع الفارق، وتؤكد أن التجديد المؤسسي لا يعني الإقصاء، بل الموازنة بين الخبرة والطاقة الجديدة، وبين الوفاء للماضي والاستعداد للمستقبل.

ولا يتوقف التقدير عند المودّعين، فهناك موظفون ما زالوا في الخدمة يمتلكون خبرة تراكمية تشكّل رأس المال المعرفي للمؤسسة، ويمكن الاستفادة منهم بطرق متعددة، مثل إشراكهم في المشاريع التطويرية، أو تكليفهم بأدوار إشرافية واستشارية تسهم في نقل خبراتهم للأجيال الجديدة. كما أن بعض المؤسسات بدأت بالفعل في تسهيل انتقال الخبرات للعمل الجزئي أو التعاون مع جهات أخرى، حفاظًا على استمرارية المعرفة وعدم ضياعها.

في النهاية، لا يكمن التحول الحقيقي في الأنظمة والهيكلة فقط، بل في الوعي المؤسسي الذي يدير التغيير بإنسانية. فالمؤسسات التي تتقن فن الوداع هي نفسها التي تتقن فن البقاء، لأنها تدرك أن الرحلة المهنية قد تنتهي، لكن الأثر الطيب يبقى. ومن يغادر راضيًا يصبح شاهدًا على نضجها ورقيها، ومن يستمر فيها يزداد فخرًا بانتمائه لها.

إدارة الخروج ليست فصلًا منتهيًا، بل بداية لعلاقة تقدير مستمرة، تؤكد أن تقدير الإنسان هو أعظم استثمار يمكن أن تقدمه المؤسسة لنفسها ولمستقبلها.

 

النجاح المستدام: أن تصل دون أن تنطفئ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى