مقالات

نور التيه: قراءة تحليلية وسيميائية لديوان ‘لا تلمس الضوء… فقط غنِّ’”

د.آمال بوحرب

د.آمال بوحرب

يبرز الأدب النسوي كصوت إنساني يعبر عن تجارب المرأة في مواجهة التحديات الاجتماعية والنفسية والروحية حيث يحمل قوة المقاومة والتعبير عن الذات في عالم غالبًا ما يهيمن عليه الصوت الذكوري ومن خلال الشعر والنثر تقدم الكاتبات النسويات رؤى عميقة تتناول قضايا الغربة والهوية والألم بل وتربطها بأبعاد روحية تعكس السعي نحو التحرر والمعنى ثم تأتي أعمال مثل ديوان “لا تلمس الضوء… فقط غنِّ” لفيروز مخول لتمثل نموذجًا للأدب النسوي العربي الحديث حيث تمزج بين الحسية الشعرية والتأملات الفلسفية والدينية فتعبر عن الوجع الإنساني بصوت نسوي يتحدى الاغتراب ويبحث عن النور الإلهي ويكشف عن أعماق النفس البشرية وهكذا يصبح الديوان جزءًا من تيار أدبي نسوي يحول الألم إلى فن فيدعو القارئ للتأمل في الذات والخالق.

يمتد ديوان “لا تلمس الضوء… فقط غنِّ” الصادر عن المصرية المغربية للنشر والتوزيع عام 2025 عبر أكثر من 140 صفحة ليقدم لوحة شعرية تتجاوز حدود الشعر التقليدي حيث تمزج فيروز مخول الشعر الحر بالصور التشكيلية والسينمائية في بوح إنساني يوصف بـ”نزيف على الورق” وينبع العمل من تجربة شخصية عميقة متأرجحًا بين أسئلة وجودية عن الوطن والغربة والإنسانية المفقودة فيرصد الوجع الإنساني مع نبض الحياة فتتكثف لغته الشعرية بالرمزية والحسية فتحرك الحواس والوجدان والفكر مما يجعل التردد جزءًا من تجربة القراءة ومن منظور ديني يحمل الديوان بعدًا روحيًا حيث يظهر الضوء كرمز للنور الإلهي كما في “الله نور السماوات والأرض” أو المسيح كنور العالم بينما يعكس التيه رحلة المؤمن في مواجهة الابتلاءات فيدعو القارئ للتأمل في علاقته بالخالق حيث الألم والغربة محطات في طريق الخلاص

منهجية القراءة

تستند قراءة الديوان إلى ثلاثة مناهج مترابطة حيث يبدأ المنهج التحليلي بتفكيك الثيمات الرئيسية كالغربة والألم والحب والتيه فيستكشف البنية الفنية والأسلوبية التي تضفي عمقًا شعريًا ثم يتبعه المنهج السيميائي المستلهم من رولان بارت وأمبرتو إيكو فيحلل الرموز كالضوء والطبيعة والجسد ليكشف عن دلالاتها المتعددة ويأتي المنهج المقارن ليربط النصوص بأفكار وجودية لسارتر وكامو وهايدغر ويقارنها أدبيًا بأحلام مستغانمي وتوفيق الحكيم لكن المقاربة الدينية تضفي بعدًا روحيًا حيث يُقرأ الضوء كنور إلهي والتيه كرحلة روحية كتيه بني إسرائيل أو تجربة المسيح في الصحراء فتحول القراءة إلى تأمل إيماني في الصراع الروحي وسعي الإنسان للتقرب إلى الله

العناصر الأساسية

يتكون الديوان من عناصر مترابطة تشمل ثيمات الغربة والوطن والألم والموت والحب والشوق والأمل والتيه حيث تتجسد عبر رموز كالضوء والطبيعة الزيتون التين المطر والجسد والصمت وأسلوبيًا يعتمد على الشعر الحر الغني بالصور التشكيلية والسينمائية مع تكرار إيقاعي يعزز الموسيقى الداخلية فتشمل المقاربات الجوانب الوجودية والأدبية لكن المقاربة الدينية تبرز حيث يُقرأ الضوء كنور إلهي كما في “الله نور السماوات والأرض” والتيه كابتلاء روحي مشابه لرحلة الحج والجسد كمسرح للصراع بين المادي والروحي فتدعو النصوص للتأمل في الخلاص والسمو الإيماني

التحليل الموضوعي

تنسج فيروز مخول رحلة شعرية تتشابك فيها الغربة والألم والحب والتيه حيث تبدأ الغربة كإحساس ثقيل كـ”صخرة تُحمَل على الكتفين” بينما يظهر الوطن كـ”طفل ينام في الصفحات” أو “بيت مل أعد أعرف موقعه” في قصيدة “مِن هنا جئت” فتصبح الغربة حالة نفسية تعكس اغتراب الروح عن مصدرها الإلهي ويتدفق الألم والموت كثيمة مركزية حيث تتردد عبارات مثل “أغنية الموت الغادرة” و”سيارات الموت تشيّع خضرة الزيتون” فيتحول الألم إلى “نزيف” فني في “آلام صمتي” حيث الصمت ضجيج داخلي يشبه ابتلاء المؤمن ثم يبرز الحب والشوق كـ”فحم مشتعل” أو “أيدي بدون أصابع” في “النظرة الأولى” حيث يُقطف الشوق بـ”منجل النار” لكنه مقاومة للفراغ كما في “أنا حرف مسكون بالهوى” مع دلالة دينية كشوق إلى الله وأخيرًا يتجلى الأمل والتيه كـ”تأريخ للتيه” في تأمل وجودي مثل “الحب ليس من نحب بل من نصبح بسببه” حيث يعكس التيه رحلة روحية كتيه بني إسرائيل فتصبح النصوص صرخة إيمانية بين الألم والأمل

التحليل السيميائي

تعتمد فيروز مخول نظامًا علاماتيًا غنيًا حيث يبرز الضوء في “لا تلمس الضوء… فقط غنِّ” كرمز للحقيقة الهشة فيظهر “أسود” أو “مهاجر” معبرًا عن تناقض النور المولود من الظلام كما في “أنا لا أمشي على الضوء… أنا الضوء الذي تمشي عليه” ليصبح نورًا إلهيًا يهدي المؤمن وتجسد الطبيعة كالزيتون والتين والمطر الخصوبة المفقودة حيث “غرّدت طيور حقولي بألوان الربيع” تعبر عن البراءة بينما “أمطرت أحزاني قطرة… قطرة” تحول المطر إلى دموع والجسد يظهر كـ”نزيف” أو “هيكل عظمي” والصمت “ضجيج موتي” في “مذكرات هيكل عظمي” حيث الموت حياة معكوسة فتعتمد الثنائيات نور/ظلام وطن/غربة حوارًا صامتًا ومن منظور ديني يرمز الضوء إلى النور الإلهي كما في “الله نور السماوات والأرض” والتيه إلى رحلة الخلاص والجسد والصمت إلى صراع الروح فتدعو النصوص للتأمل في التقرب إلى الله

الخصائص الفنية والأسلوبية

تعتمد لغة الديوان على الشعر الحر الخالي من القافية الصارمة لكنها غنية بالصور التشكيلية كـ”أنا التي متشط الليل بحروفها” والسينمائية حيث يتجلى الإيقاع عبر التكرار الذي يعزز الموسيقى الداخلية وتترابط القصائد القصيرة بمقدمات فلسفية تنتهي بتأملات وجودية فتبدو النصوص وكأنها “تكتب عن القارئ” ومن منظور ديني تستحضر الصور التشكيلية الصراع بين النور والظلام والتكرار يشبه الذكر الإيماني فتحول القراءة إلى تجربة روحية شبيهة بالتسبيح تدعو للتأمل في علاقة الإنسان بالله

المقاربات

تتعدد مقاربات ديوان “لا تلمس الضوء… فقط غنِّ” لتشمل أبعادًا دينية ووجودية وأدبية لكن المقاربة الدينية تبرز كمحور الأعمق الذي يحول النصوص إلى رحلة إيمانية تعكس صراع المؤمن مع الابتلاءات والبحث عن الهداية فالضوء كرمز مركزي في “لا تلمس الضوء… فقط غنِّ” يمثل النور الإلهي مستوحى من التصور القرآني في الآية “الله نور السماوات والأرض” سورة النور 35 حيث يشير إلى الهداية الإلهية التي يسعى إليها الإنسان لكنه يظل “لا يُلمس” لنقاوته المقدسة وفي السياق المسيحي يتجلى كالمسيح “نور العالم” يوحنا 8 12 معبرًا عن الحقيقة التي تنير درب المؤمن ويظهر الضوء في “أنا لا أمشي على الضوء… أنا الضوء الذي تمشي عليه” كرمز للتحرر الروحي حيث يصبح الإنسان نفسه مصدر إلهام إيماني ثم يتجلى التيه في “تأريخ للتيه” كرحلة روحية مشابهة لتيه بني إسرائيل في الصحراء خروج 13-14 أو تجربة المسيح في البرية متى 4 1-11 حيث يعكس ابتلاء يصقل الإيمان فيدفع المؤمن لمواجهة ضعفه والسعي نحو الله والألم كما في “آلام صمتي” يُقرأ كابتلاء إلهي كما في قصة أيوب في الإسلام والمسيحية حيث يتحول النزيف الفني إلى تطهر روحي يقرب الإنسان من خالقه والحب في “أنا حرف مسكون بالهوى” يتجاوز البعد الإنساني ليصبح شوقًا إلهيًا مستوحى من مفهوم العشق الصوفي عند جلال الدين الرومي أو الحب الإلهي في التصور المسيحي كما في رسالة يوحنا الأولى 4 16 حيث يصبح الحب طريقًا للتوحد مع الله لكن المقاربات الوجودية تضيف عمقًا آخر حيث يواجه الديوان العبث بالإبداع متأثرًا بفكر سارتر عن الحرية في اختيار المعنى رغم الاغتراب وكامو في رؤيته للتيه كحالة مستمرة يقاومها الإنسان بالسيرورة وهايدغر في القلق الوجودي عبر “الدازاين” الذي يبحث عن الأصالة وأدبيًا يتقاطع الديوان مع “ذاكرة الجسد” لأحلام مستغانمي في تصوير الجسد كمسرح للألم لكن مخول تركز على اللحظة الشعرية الحسية كما في “أمطرت أحزاني قطرة… قطرة” بينما مستغانمي توسع إلى النسيج الاجتماعي ومع توفيق الحكيم يتشابه الديوان في التيه كحالة وجودية لكن الحكيم يعتمد الحوار الدرامي بينما مخول حسية في صور مثل “سيارات الموت تشيّع خضرة الزيتون” فتبقى المقاربة الدينية الأساس حيث تحول النصوص إلى صلاة شعرية تدعو القارئ للتأمل في الإيمان والصبر والخلاص معززة بالشواهد التي تربط الوجع الإنساني بالسعي نحو النور الإلهي

البعد النفسي

تتجلى في النصوص أبعاد نفسية عميقة تعكس صراع الذات حيث تُصور الغربة كـ”صخرة تُحمَل على الكتفين” حالة اغتراب نفسي تنفصل فيها الذات عن هويتها فتولد قلقًا وجوديًا يشبه صراع الأنا عند فرويد ويتجسد الألم في “آلام صمتي” كجرح نفسي يتحول إلى نزيف شعري حيث الصمت “ضجيج موتي” يعبر عن الكبت النفسي من صدمات الحرب ثم يظهر الحب في “أنا حرف مسكون بالهوى” كقوة نفسية تقاوم الفراغ لكن الشوق في “النظرة الأولى” يُقطف بـ”منجل النار” معبرًا عن ألم فقدان الاتصال والتيه في “تأريخ للتيه” يعكس ضياعًا نفسيًا يشبه رحلة التكامل

في الأدب الصيني الذي يمتاز بثرائه وتنوعه عبر العصور، ويجمع بين الحكمة والفلسفة والجمال الفني في قصائد لي باي (Li Bai)، الشاعر الكبير في العصر التانغ، الذي عبّر عن حب الطبيعة والحنين إلى الحرية بأسلوب شعري رقيق ومجازي. في قصيدته عن القمر والنهر، تتجلى فلسفة الوحدة بين الإنسان والكون، حيث ينعكس القمر في المياه كرمز للجمال والصفاء الداخلي أو كما يبرز في الروايات الكلاسيكية مثل «حلم الغرفة الحمراء»، فهذا الفن من ذاك الفن لان الأدب يعكس توازنًا فريدًا بين العاطفة والفكر، ويظل مصدر إلهام للأجيال عبر القرون.

قراءة فلسفية وسيميائية الحلم اللغة والصمت في قصيدة “ما يشبه الحلم” للشاعر اليمني صالح حمود

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى