الإِيمَانُ بِالْقَدَرِ


بقلم : نوف سالم باناصر
مُنْذُ نُعُومَةِ أَظَافِرِنَا وَنَحْنُ نَسْمَعُ أَرْكَانَ الإِيمَانِ وَنَحْفَظُهَا، وَمِنْ ضِمْنِهَا «الإِيمَانُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ»، وَنُرَدِّدُهَا كَأَنَّهَا مُجَرَّدُ كَلِمَاتٍ مَحْفُوظَةٍ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ، دُونَ أَنْ نَسْتَشْعِرَ مَعْنَاهَا.
كُنَّا نَسْمَعُهَا بِلَا وَعْيٍ، حَتَّى مَرَّتِ الأَيَّامُ وَكَبِرْنَا، وَوَضَعَتْنَا الْحَيَاةُ فِي مَوَاقِفَ نُوَاجِهُ فِيهَا ابْتِلَاءَاتٍ وَمَصَاعِبَ، وَحِينَهَا بَدَأَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لِهَذَا الرُّكْنِ الْعَظِيمِ يَظْهَرُ لَنَا.
الإِيمَانُ بِالْقَدَرِ لَيْسَ مُجَرَّدَ كَلِمَاتٍ نُرَدِّدُهَا، بَلْ هُوَ شُعُورٌ يَمْلَأُ الْقَلْبَ بِالطُّمَأْنِينَةِ وَسْطَ أَلَمِكَ.
إِنَّهُ ذَاكَ الصَّوْتُ الدَّاخِلِيُّ الَّذِي يُهْمِسُ لَنَا: «اصْبِرْ، فَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ».
حِينَ نَفْقِدُ شَخْصًا عَزِيزًا وَغَالِيًا عَلَى قُلُوبِنَا، فَهَذِهِ مُصِيبَةٌ تَهُزُّ كِيَانَنَا، فَحِينَهَا نَرَى الدُّنْيَا صَغِيرَةً فِي أَعْيُنِنَا وَنَزْهَدُ فِيهَا، وَنَكْتَشِفُ أَنَّ قُوَّةَ الإِيمَانِ تَظْهَرُ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْنَا، وَفِي الرِّضَا بِمَا كَتَبَهُ لَنَا، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا.
أَنْ نَصْبِرَ عَلَى مَا أَصَابَنَا، وَأَنْ لَا نَجْزَعَ، وَأَنْ نَرْفَعَ أَكُفَّنَا لِلَّهِ شَاكِرِينَ عَلَى كُلِّ مَا وَهَبَنَا، فَاللَّهُ هُوَ الْمُعْطِي وَالْمُقَدِّرُ لِكُلِّ شَيْءٍ.
إِنَّ الصَّبْرَ عَلَى الْبَلَاءِ لَيْسَ بِالأَمْرِ الْيَسِيرِ، لِأَنَّ الْمَصَائِبَ وَالابْتِلَاءَاتِ مُرَّةٌ، وَلَكِنَّ آيَاتِ الصَّبْرِ فِي الْقُرْآنِ تَأْتِي كَأَنَّهَا تُطَبْطِبُ عَلَى قَلْبِ الْمُؤْمِنِ، تُخَاطِبُهُ وَتُطَمْئِنُهُ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾
﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ﴾
﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ﴾
﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ﴾
﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾
﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾
﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾
﴿وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا﴾
﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾
﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾
الإِيمَانُ بِالْقَدَرِ يُشْعِرُنَا أَنَّ السَّلَامَ يَمْلَأُ قُلُوبَنَا، وَأَنَّ مَصَاعِبَ الْحَيَاةِ أَقَلُّ ثِقْلًا، لِأَنَّ رَابِطَ الإِيمَانِ أَقْوَى، وَتَمْضِي أَيَّامُ الْبَلاءِ بِالرِّضَا.
الإِيمَانُ بِالْقَدَرِ يَجْعَلُنَا نَعِيشُ الْحَيَاةَ بِطُمَأْنِينَةٍ، وَيُذَكِّرُنَا دَائِمًا بِأَنَّ اللَّهَ مَعَنَا فِي كُلِّ لَحْظَةٍ، يُخَفِّفُ عَنَّا وَيَرْشُدُنَا إِلَى الْخَيْرِ، حَتَّى فِي أَكْثَرِ الْمَوَاقِفِ صُعُوبَةً.