مقالات

حَجَرة… ورقة… مقص

ا.د. ابتهال بنت حسن عزوز

ا.د. ابتهال بنت حسن عزوز

تثبت التجارب أن ما يريده أبناؤنا منا : المشاعر حُبَّا وقربًا ، وذلك بمشاركتهم اللعب والحوار والاهتمامات مهما بدت ساذجة أو غريبة أو بلا معنى !.
أبناؤنا ليسوا في حاجة إلى خزائن ممتلئة بالملابس الفاخرة، وأزواج الأحذية الملونة، والدمى الرائجة، والألعاب الباهظة، فهي كأي متعة وقتية بالنسبة لهم، إعجابهم بها سريع الانطفاء، ينتهي غالبا بكلمة :  طفش  !!، ثم تهمل باستخفاف .
إن احتياجهم الحقيقي لنا … بنا .. معنا ..!
فنكون لهم بأجسادنا مدينة الملاهي التي لا نظير لها في العالم: الحصان .. السفينة .. الأرجوحة ..!
ونكون معهم في لحظات المرح، نشاطرهم :
كرة القدم ..دفاتر التلوين .. التشكيل بالعجين .. المكعبات ..وهكذا .
وقد يقول قائل: ليس لدينا وقت ، أو إن أطفال هذا الزمان لا تسليهم هذه الأشياء، وهذا كلامٌ عارٍ من الصحة ، مفتقرٌ إلى التجربة، فأبناؤنا على الفطرة ..
ومِن الفطرة حب الوالدين، ولبُّ الحُب إثباته عمليًّا، ولنا في نبينا صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فقد كان يلاطف الصغار ويدنو منهم ويحتفي بهم، ومن ذلك قصة أَمَة بنت خالد بن سعيد بن العاص التي كنّاها أبوها وهي طفلة “أم خالد”، وقد ولدت في الحبشة، إذ كان أبَواها من الصحابة الذين هاجروا إلى هناك رضوان الله عليهم، وكان مِن خَبَرها ما أخرجه البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسّم ثيابًا على صحابته، فانتهى إلى خميصة وهي كساء صغير مخطط، فسأل أصحابه :
مَن ترون أن نكسو هذه؟!
فسكت القوم توقيرًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : ائتوني بأم خالد، فجاء بها أبوها متلهفًا يحملها بين ذراعيه حتى وضعها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ، فكساها بيديه الشريفتين ، وجعل يلاعبها فيرفع ثوبها الملوّن الزاهي البهيج، ويحاكي لهجتها ويشير إلى أعلام الثوب فيقول : يا أم خالد هذا سناه .
وسناه باللغة الحبشية : يعني حَسَن .
أي : هذا ثوبٌ حسنٌ، ودعا لها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: “أبلي وأخلقي، ثم أبلي وأخلقي، ثم أبلي وأخلقي ” أي: عيشي طويلا والبسي إلى أن يصير ما تلبسينه باليًا ، وقد ذكر راوي الحديث أن أم خالد رضي الله عنها عاشت عمرًا طويلًا، وبقي ثوبها حتى ذكره الناس، ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم .
ولقد أَنِسَت الصبية النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وهو يحملها فلفت نظرها خاتم النبوة الذي بين كتفيه، فجعلت تلعب به، فنهرها أبوها عن ذلك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بتعطّف بالغ: دعها!.
وفي هذه القصة عِبَر جليلة، ومعانٍ مضيئة،منها:
أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو صاحب أعظم مسؤولية وأثقل أمانة، لم يتوان عن إسعاد طفلة صغيرة ومؤانستها ومشاركتها الفرح، وقد كان له صلى الله عليه وسلم أن يرسل إليها الكساء مع أحد صحابته، أو أن يكِـلَ إلباسها إلى أبيها، ولكنه ضرب لنا أروع مَثَلٍ في الرحمة والإحسان والتآلف الفعلي والقولي .
إنه المورد المحمدي الذي ينبغي علينا أن ننهل منه، ونقتدي به في حياتنا، وبالأخص في العناية بفلذات الأكباد ومُهَج الأرواح ..
فإذا أولَيْناهم شيئا من هذا السخاء الوالديّ الحنون، ستكون مسرتهم أكبر، وحماستهم أعلى، وضحكتهم أوسع .
فلنجرب إذن تلك المتعة معهم..
ولو بشيء يسير غير مكلف ألبتة :
كحركة حركة ( ستوب )..
أو ( موية ) وثلج، أو نخلة نملة …
أو ( حَجَرة… ورقة …مقص) !.

نساؤنا والاستحقاق !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى