نساؤنا والاستحقاق !

أ.د. ابتهال بنت حسن عزوز
كنتُ أظنُّ أنّ نجمَ “رفعِ الاستحقاق” قد توارى وخمد بعد توهّجه، فإذا به يبزغ مرةً أخرى في أفقِ المجالسِ الورديةِ الناعمة.
ولم يزلِ الاستحقاقُ يجلجلُ في الآذان، باطنُهُ – أحيانًا – فيه التخبيب، وظاهرُهُ من قِبَلهِ النصح.
ذلك أنّ عدمَ فهمِ حقيقةِ رفعِ الاستحقاقِ التي أرادها أربابُها بَداءةً، أدّى إلى إطلاقِ المصطلحِ في كلِّ مقامٍ بلا إدراك.
فيُقال للزوجة:
ارفعي استحقاقَكِ واطلبي من زوجكِ أن يوفّرَ لكِ أثاثًا أو مجوهراتٍ… أو… أو… من أغلى مكان،
ولا ترضي بأيِّ شيءٍ فاستحقاقُكِ عالٍ… وقد صبرتِ بما يكفي، وهل فلانةُ أفضلُ منكِ؟!!
ثم تنهالُ المقارناتُ المتبوعةُ بأفخمِ المقترحات.
وما يفعلُ الزوجُ المسكينُ إزاءَ تلك المطالبِ المكلفةِ إن لم يكن مقتدرًا؟!
فهو إمّا أن يغوصَ في دوّامةِ الديون، أو يغرقَ في مستنقعِ البطاقاتِ البنكيةِ فلا يكادُ ينجو!
وينقلبُ البيتُ الآمنُ المطمئنُّ ساحةَ نزالٍ وعراك، لأنّ سيّدتَهُ أرادت رفعَ استحقاقِها عملًا بنصيحةٍ خائبةٍ في ليلةٍ حالكة!
وكم من بيوتٍ هُدّمت، وأُسرٍ تفرّقت، وبشرارةِ كلمةٍ كهذه.
فيا أيتها الزوجةُ المؤمنةُ بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم… ما هكذا يكون رفعُ الاستحقاق!
ومن نصحتكِ به على نحوِ ما سبق لا تعرفُ أحوالَ بيتكِ المستور، بل ربما رمتْ بكلمة: “ارفعي استحقاقكِ”؛ لأنّها حفظتها وأعجبتها وربما أرادت أن (تتعنتر) بها، شاهرةً سيوفَ ثقافتها عليكِ.
إنّ من رفعِكِ لاستحقاقِكِ:
تقديرُكِ لنفسِكِ أوّلًا، القيامُ بمسؤولياتِكِ بحبٍّ وإخلاصٍ وصبر، انشغالُكِ بالنافعِ وإعراضُكِ عن التافه، عدمُ قبولِ الإهانةِ والأذى من أيِّ مخلوق، طلبُكِ لحقوقِكِ بوضوحٍ وتقديرٍ للحال… إلى غيرِ ذلك.
واعلمي أنَّ البيوتَ إنما تُبنى على الاحترام، فلَبِنَةٌ من تغافلٍ ولَبِنَةٌ من صبرٍ؛ لتكتنفَها المودّةُ وتغشاها الرحمة.
إنّه لمّا طغتِ المادياتُ المعاصرةُ على الناس، تعامَوا عن المثلِ والقيم، حتى إنّ رضا الآخرين صار أهمَّ من رضا النفسِ عن ذاتها، فإذا بها تسعى وتهرع من أجلِ رضا الناسِ وليست بمدركته أبدًا.
وواللهِ لو رفعنا الاستحقاقَ أكثرَ وأكثرَ إلى أسمى مدى، لما ابتغينا إلا الجنة!
“ألا إنّ سلعةَ الله غالية، ألا إنّ سلعةَ الله هي الجنة” [حديثٌ صحيحٌ أخرجه الترمذي].



