أم المهندس فلان


أريج سامي الخياري
هي أم لعشرة من الأبناء والبنات حفظهم الله.
كانت تعيش أيامها بين أطفالها، تحيا معهم، وكثّفت جهودها في تربيتهم.
تقوم قبل الفجر حتى تُعِدَّ لهم الإفطار، وتوقظهم بالترتيب للاستحمام وارتداء ثياب المدرسة، ثم تناول الفطور مع والدهم قبل الخروج إلى العمل والمدارس.
الأول كان متكئًا عليها اتكالًا كاملًا، كان يحصل على ما يريد دون أدنى جهد، ينفذ أوامرها العاجلة ويُظهر مساعدتها في إنجاز المهام، ويسمع منها حديثها وشكواها، ويستقبل الجميع في مجالس العائلة بكل فخر وتباهٍ.
لا عجب، فهو الابن الأكبر، وكنية والدته تستند إليه!!
لأنهم كانوا ينادونها باسمه “أم فلان “، وهي تتباهى بأنها أنجبته وهي يافعة، والفرق بينهما في العمر قليل، وها قد أصبح شابًا وسيماً.
الابنة الثانية كانت فتاة منضبطة، مسؤولة، تشارك في تربية إخوتها ودراستهم وكأنها أم ثانية، وكذلك هي تذاكر دروسها منفردة، وعلاماتها دائمًا مرتفعة.
ثم الأخ الثالث والرابع وهكذا…
كان لهذه الأم ابن بارع في كرة القدم، يلعب مع جيرانه في الحي يوميًا، ولا يكاد أحد أن يجازيه في متابعة الكرة وتحقيق الأهداف.
كان المرمى صديقه الودود، ولكل ركلة مكانها الواضح داخل الشباك، ولم تكن تخطئ قدمه مرادها أبدًا.
يقذف الكرة بقدمه تارة وبرأسه تارة أخرى، ويحاور أصدقاءه بمهارة وانسيابية مذهلة، ويوزّع الأدوار على اللاعبين بكل دهاء.
ولديها صبي كثير الحركة، لا يتوقف عن طرح الأسئلة،
يتساءل باستمرار وعن كل شيء،وابنة هادئة، خجولة، وانطوائية، أو هذا ما كانت تصفها والدتها به…
أما بطل قصتنا، فهو ليس الإبن الأكبر “البِكري”،
ولا حتى الإبن الأصغر “آخر العنقود – القَعْدة”.
إنما هو أحد أبنائها الذين في المنتصف،منذ أن دخل المدرسة وهو متفوق في مادة الرياضيات، ولا يحتاج إلى أستاذ كبعض إخوته، ومع ذلك لم تقدم له والدته أي عناية خاصة، ولم تهتم بتفاصيله دونًا عن إخوته التسعة.
فكيف ومتى أصبح إذن بطلًا للقصة؟!
أصبح هذا الابن بطلًا، وعظيمًا،ورافع رأس العائلة، ومتميزًا على جميع إخوته،عندما حصل على لقب “المهندس”،
وأصبحت والدته تُعرّف بنفسها وتقول: أنا أم المهندس فلان ، وأصبح أصدقاء والده وأقاربه ينادونه: أبو المهندس فلان، وبدأت عبارات تتردد في البيت من نوعية: ياريتك مثل أخوك المهندس، ليش ما تدرس زي أخوك وتصير مهندس؟
ما أعرف ليش ما طلعتوا أذكياء زي أخوكم.
وللحديث بقية…
كان هذا عرضًا لبعض ما يحدث داخل بيوتنا من الجانب الإنساني فيما يتعلق بمفهوم الذكاء،
وإنه لمن دواعي سروري كمدرب معتمد للذكاءات وممارس لتطبيقاتها خلال سنوات عملي، أن أشارك معكم المعنى الحقيقي للذكاء من الجانب العلمي، والذي توصل له العلماء من خلال الدراسات والأبحاث المستمرة.
حتى نجعل من واقعنا غدًا أفضل، ونصنع مع أبنائنا وطلابنا ذكريات أجمل.
اقرأ مقالتي غدًا… “أنت لست ذكياً”