غُصَّة الخِذلان

أ.د - ابتهال بنت حسن عزوز
هاتفني يومًا صاحبي فقال :
هل جربتَ قبلُ الخِذلان من الناس؟! هل تجرعتَ مرارة الخيبة منهم ؟!
قلتُ له: نعم،
قال لي : كم هي مؤذية مؤلمة، مُرَّة مريرة تلك الغُصة!!، أرْشِدني،كيف تُقتَلع أو تُبتَلع؟
أجبتُه :
ياصاحبي حتى تستمرئ غُصة الخِذلان سلِسَةً في نفسك، سائغةً في روحك، قم واسأل ربك أن يعينك على قطع العلائق من الخلائق ،وطرح الرجاء من الناس ،كل الناس ..! القريب والحبيب والغريب.. ولا تستثنِ منهم أحدا !.
قال لي : أوَ تقول هذا لي وأنت الذي تردد أن الناس فيهم خير، وتنادي بحسن الظن بهم؟!
أجبتُه : نعم أقوله، ومازلتُ، وأزيد عليه :
إياك أن تتعلق بهم ، و إن خذلك أحدهم فجِدْ له -لحفظ العهد وصون الود – مئة عذر ،حتى يتداعى ذلك الشعور الممجوج، وتنساب الغمة المستكرهة، وتستطيب الحال.
وحذارِ حذارِ أن ترتقب لرد جميلك جميلًا ،
أو تؤمّل لإحسانك معهم مثيلًا، فالشكور هو الله وحده، والقادر هو الله وحده ، والناصر هو الله وحده ، وما الناس إلا مجرد أسباب يسخرهم الله لمن يشاء .
سكتَ مليًا، ولا أدري هل راق له كلامي أم لا ؟
ثم قال لي :
افهمني أرجوك، أنا لم أتوقع من فلان كذا…، لقد خذلني! بل وجرحني … ثم كُفّ يا أخي عن الفلسفة،
فأنا موجوع ، و لو كنت مكاني لـ…
قاطعتُه:
لا يا صاحبي ليست فلسفة! ..
ولقد كنتُ مكانك قبلُ في عشرات عشرات المواقف .. حتى أيقنتُ بحقيقة الناس ،
كل شيء وارد منهم، ولعل لديهم ما لديهم .. فاصبر واحتسب ﴿ وَجَعَلنا بَعضَكُم لِبَعضٍ فِتنَةً أَتَصبِرونَ﴾[الفرقان: ٢٠] .
أتدري ياصاحبي ما مشكلتنا؟!
إننا نعتقد أن الناس وخاصة المقربين منا يشبهوننا في التفكير والشعور وردود الأفعال وتقدير الأحوال.
وهذا غير ممكن بل محال! فلكلّ منا مشاربه وطرائقه ودوافعه..فلا تبتئس ! مرّرها بماء الإعذار لِتَمُر .
ثم دعني أُبشِّرك: لقد نشَبتْ فيك تلك الغُصة يا صاحبي ؛لأنّ الله يريد أن يمحّص إيمانك، ويمتحن صبرك، فتدرك نفسَك قبل أن يغريها الأمل بما عند العباد ، وإذا رضي عنك رب العباد فو الله ما ضرّك خذلان البشر.
ولتهنأ بغصة الخذلان أجرا ، فما يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حَزَن وَلاَ أَذًى وَلاَ غمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُها إِلاَّ كفَّر اللَّه بهَا مِنْ خطَايَاه..[ متفق عليه ]
أليست الغُصة أوجَع من الشوكة ؟!
قال: بلى .
فقلت : إذن أجرٌ أعظم ..
قال لي: طيب طيب أيها الفيلسوف….!
وأغلق خط الهاتف!!..



