بقلم : حنان سالم باناصر
كثير من الناس يولدون في بيئات منغلقة أو محدودة الأفق، بيئات تفرض عليهم أن يعيشوا داخل دائرة صغيرة من الأفكار والتقاليد، حيث تسود الرتابة ويُقتل الفضول والاكتشاف. لكن السؤال الجوهري: كيف يمكن للإنسان أن يتحرر من هذه القيود، ويشق طريقه الخاص نحو ذاته وحقيقته؟
الرحلة تبدأ أولاً بالتشخيص والوعي بالواقع؛ أن يتوقف الإنسان مع نفسه وقفة صادقة، يدرك من خلالها أن ما يعيشه ليس بالضرورة الحقيقة المطلقة، وأن التكرار الأعمى لما وجد عليه آباءه قد يكون قيدًا يمنعه من النمو. ومن هنا تأتي الخطوة الثانية وهي الرفض الواعي، فالاستسلام للخطأ أو التقليد ليس خيارًا، بل إن الوعي بأن الاستمرار في دائرة خاطئة هو الخطر الحقيقي، تمامًا كما فعل الرسول ﷺ حين رفض عبادة الأصنام وتأمل حتى هداه الله إلى الحق.
بعد ذلك تأتي مرحلة تغيير البيئة والدوائر الاجتماعية، فلا يمكن للإنسان أن يتحرر وهو محاط بنفس المؤثرات. الانفتاح على دوائر جديدة، تكوين صداقات مختلفة، والتواجد في بيئات تحمل فكرًا إيجابيًا، كلها خطوات تعيد تشكيل العقلية وتفتح مسارات جديدة للنمو. وهنا يبرز أيضًا دور تطوير الذات واكتشاف القدرات، من خلال القراءة، التعلم، حضور الدورات، وتجربة مجالات جديدة، ليكتشف الإنسان إمكاناته ويصقل اهتماماته.
لكن التحرر لا يكتمل من دون العمل والاجتهاد وبناء الاستقلالية. فالاعتماد على الجهد الشخصي، وتحقيق الاستقلال المادي بالعمل الجاد والاجتهاد، يعزز الثقة بالنفس ويمنح الإنسان مكانته الحقيقية. وإلى جانب ذلك، تأتي أهمية الإسهام في المجتمع وخدمة الآخرين، لأن التحرر واكتشاف الذات لا يكتملان إذا بقيا حبيسين الدائرة الفردية، بل يكتسبان معناهما الأعمق حين يشارك الإنسان خبراته عبر التطوع، التدريب، أو المبادرات التي تترك أثرًا في حياة الآخرين.
هذه الرحلة تتطلب مرونة ذهنية لقبول النقد وتغيير الرأي عند الحاجة، وشجاعة لمواجهة الخوف من الفشل، إضافة إلى صناعة رؤية ورسالة شخصية تحدد للإنسان لماذا يسعى وإلى أين يريد أن يصل.
في النهاية، التحرر ليس مجرد كسر قيود خارجية، بل هو قرار داخلي شجاع بأن يعيش الإنسان حياته بوعي، لا كما يُراد له بل كما يختار هو. هي رحلة تبدأ بخطوة، لكنها قادرة على أن تغيّر مصيرًا كاملًا، وتحوّل الدائرة المغلقة إلى أفق بلا حدود.
