الربا خطره وعقوبته


حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ، والصلاة ، والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله ، وصحبه ، ثمَّ أمَّا بعد :
أخي القارئ الكريم : من أعظم المحرمات بعد الشرك بالله ، والذي حرمه الله في كتابه العزيز ، وفي سنة رسوله الأمين صلوات الله وسلامه عليه ؛ ألا وهو الربا ، وهو نوعان :
أ _ ربا الفضل : وهو الزيادة في أحد البدلين المتفقين في الجنس : كأن يبيع 10 جرام ذهب جديد ب20 جرام ذهب قديم ، ومنه أخذ الفوائد الربوية ، وبيع العينة .
ب _ ربا النسيئة وهو أغلظهما : وهو الزيادة في أحد العوضين مقابل التأخير كأن يبيع شخصٌ شخصاً آخر سلعةً إلى أجل مسمَّى ، فإذا حلَّ الأجل ولم يكن لديه قضاء ؛ قال صاحب الدين للمدين : إمَّا أن تقضي ، وإمَّا أن تربي ؛ أي تزيد في ثمن السلعة ، وهذا هو ربا الجاهلية الأولى ، وغيرها من صور الربا الكثيرة المتعددة ؛ والتي يجب معرفتها ؛ والحذر منها ؛ يقول الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي رحمه الله :
ثمَّ إنَّ الربا من أكبر المناهي فاعلــــــه محـــــــــــاربٌ لله
وصـــــرَّح النبـــي بلعـــــن آكلـــه وكاتبٍ وشاهدٍ ومؤكله
وذا لمـــــن يعقـــــل أقــــوى زاجـــــــر وغيره كم صحَّ من زواجر
أخي القارئ الكريم : إليك النصوص الشرعية من كتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، والتي حرمت الربا بشتى صوره وأنواعه كي تكون منها على حذر ؛ ولتسلم من عقوبة الله تبارك وتعالى في الآخرة والأولى :
قال الله تعالى : { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا البَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [ البقرة : 275 ] قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في تفسير ابن كثير ( 1 / 708 ) : “آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنوناً يخنق” وقال تعالى : { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ } [ البقرة : 278 – 279 ] وقال تعالى : { وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ } [ الروم : 39 ] وقال تعالى : { فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } [ النساء : 160 – 161 ] وفي حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه الطويل أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي ، فَأَخْرَجَانِي إِلَى أَرْضٍ مُقَدَّسَةٍ ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ وَعَلَى وَسَطِ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ ، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ ، فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ ، فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ ، فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ ، فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ ، فَقُلْتُ مَا هَذَا؟ فَقَالَ : الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُ الرِّبَا } رواه البخاري في صحيحه ، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه : { لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا ، وَمُؤْكِلَهُ ، وَكَاتِبَهُ ، وَشَاهِدَيْهِ ، وَقَالَ : هُمْ سَوَاءٌ } رواه مسلمٌ في صحيحه ، وقال صلى الله عليه وسلم : { دِرْهَمٌ رِبًا يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ وَهُوَ يَعْلَمُ ، أَشَدُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ زَنْيَةً } رواه أحمد في مسنده ، وصحَّح الحديث الألباني في صحيح الجامع برقم 3375 وقال صلى الله عليه وسلم : { الرِّبَا ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ بَابًا ، أَيْسَرُهَا مِثْلُ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ ، وَإِنَّ أَرْبَى الرِّبَا عِرْضُ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ } رواه الحاكم في مستدركه ، وصحَّح الحديث الألباني في صحيح الترغيب برقم 1851
يقول شيخنا زيد بن محمد المدخلي رحمه الله في كتابه القيم الأفنان الندية شرح منظومة السبل السوية ( 5 /175 ) : ” إنَّ أصحاب الربا يستحقون القتال والقتل إذا لم يتوبوا أو يرجعوا عن غيِّهم ، ومحادتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما : ” فمن كان مقيماً على الربا لاينزع عنه ، فحقٌّ على إمام المسلمين أن يستتيبه ؛ فإن نزع ، وإلاَّ ضرب عنقه ” هذه بعضٌ من الأخطار الجسيمة ، والأضرار العظيمة ؛ التي تنجم عن تعاطي الربا ؛ الذي اتَّفق الكتاب والسنة ، والإجماع على تحريمه ” انتهى كلامه رحمه الله .
نسأل الله أن يغنينا وإياكم بحلاله عن حرامه ، وبفضله عمَّن سواه ، وأن يغفر لنا وإياَّكم ما سلف وكان ، وأن يجعلنا من أهل الجنان الفائزين برضا الكريم الرحمن ، وأن يقينا وإياكم وجميع المسلمين عذاب القبر والنار .
اللهم آمين .