الحلم سيد الأخلاق


شيخة الدريبي
إِنَّ الإِنْسَانَ يَتَقَلَّبُ فِي جَوانب هَذِهِ الحَيَاةِ، فِي صَبَاحِهِ وَمَسَائِهِ وَعِنْدَ أَهْـلِهِ وَجِيرَانِهِ وَإِخْوَانِهِ، رُبَّمَا مَرَّ بالمَوَاقِفُ العَصِيبَةُ الَّتِي تُؤَدِّي بِهِ إِلَى الغَضَبِ، وَلَوْ تَابَعَهُ لأَدَّى بِهِ إِلَى المَهَالِكِ، فَيَحْـتَاجُ إِلَى أَنْ يَتمْـالِكَ نَفْسَهُ وَيَتَزَيَّن بِثَوْبِ الحِلْمِ حَتَّى يَتَّسِعَ عَفْوُهُ لِلْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ، وَالرَّفِيعِ وَالوَضِيعِ، وَالمُتَعَلِّمِ وَالجَاهِلِ، وَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا وَصَفَ عِبَادَهُ المُتَّقِينَ الَّذِينَ يُبَوِّئُهُمْ جَنَّةً عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ .ذَكَرَ مِنْ صِفَاتِهِمْ والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين، والنَّبِيَّ يُحَذِّرَ مِنَ الغَضَبِ، لأَنَّ الغَضَبَ مِنْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ، يَدفَعك إِلَى أَنْ تتَجَاوَزَ حُدُودَ اللهِ، وَتظْلِمَ عِبَادَ اللهِ، وَتقْتَرِفَ مَا حَرَّمَ اللهُ، وَلَوْ مَلَكَت نَفْسَك عَنِ الغَضَبِ لَصَلَحَتْ سَائِرُ أُمُورِهِ..
وكما نعرف إِنَّ الحِلْمَ سَيِّدُ الأَخْلاقِ، فَمَا تَحَلَّى بِهَذَا الخُلُقِ إِنْسَانٌ إِلاَّ زَانَهُ، وَمَا حُرِمَ مِنْهُ أَحَدٌ إِلاَّ شَانَهُ، وَلأَجْـلِ أَنْ يَكُونَ الحِلْمُ وَالعَفْوُ فِي الإِنْسَانِ سَجِيَّةً لا بُدَّ أَنْ يَعود نَفْسَهُ على المِرَونه وكَظْمِ الغَيْظِ وَالصَّـفْحِ عَنْ أَخْطَاءِ الآخَرِينَ، فَقَدْ قِيلَ: ( إِنَّمَا الحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ ) وَالنَّفْسُ البَشَرِيَّةُ مُتَقَلِّبَةٌ؛ فَلا بُدَّ مِنْ تَزْكِيَتِهَا بِمَكَارِمِ الأَخْلاقِ، والصَّـفْحُ وَالحِلْمُ وَالعَفْوُ، فالنَّفْسُ دون هذه الصفات تُؤَدِّي بِصَاحِبِهَا إِلَى التَّهَوُّرِ وَالطَّيْـشِ وَالظُّلْمِ. فالحَيَاةَ فِي تَقَلُّبِ أَهْـلِهَا تُرِيك التَّصَرُّفَاتِ وَالمَوَاقِفِ الَّتِي قَدْ تَدفَعُ إِلَى الغَضَبِ وَالانْفِعَالِ، فَإِذَا لَمْ يُوَطِّنِ المُؤْمِنُ نَفْسَهُ عَلَى الحِلْمِ وَالعَفْوِ لَا يَستَطِعِ اتِّخَاذَ المَوقِفِ الصَّحِيحِ ..
لِذَلِكَ عَلَى الأنسان أَنْ يُوَطِّنَ نَفْسَهُ عَلَى تحمل الشَّدَائِدِ، حَتَّى يَتعود الحِلْمُ وَالعَفْوُ وحتى يصبح لَهُ سَجِيَّةً وَخُلُقًا وَنِبْرَاسًا يُضِيءُ حَيَاتَهُ كُلَّهَا. إِنَّ المُسلِمَ بِحَاجَةٍ إِلَى أَنْ يَعتَصِمَ بِالحِلْمِ فِي مُعْـتَرَكِ حَيَاتِهِ اليَوْمِيَّةِ،قَدْ تَضِيقُ أَخْلاقُ بَعْضِ النَّاسِ؛ فَهَذَا يُزَاحِمُ، وَذَاكَ يَغْضَبُ، وَثَالِثٌ يَنْفَعِلُ، وَرُبَّمَا رَفَعَ صَوتَهُ أَوْ تَكَلَّمَ بِمَا لا يَلِيقُ، وَهُنَا يَأْتِي دَوْرُ الحِلْمِ وَالأَنَاةِ، ليستل مِنَ النَّفْسِ البَشَرية نَزَغَاتِ الهَوَى وَطَيْـشَ الانْفِعَالِ وَقد تُرهِقُهُ مَسْؤلياتة ،في العمل مثلاً فيدَخَلَ فِي شِجَارٍ مَعَ زُمَلائِهِ، أَوْ سُوْءُ فَهْمٍ مِنْ أَحَدِهِمْ، فلا بُدَّ أَنْ يَتَحَلَّى المُؤْمِنُ بِالعَفْوِ وَالصَّـفْحِ، وَأَنْ يَتَّسِعَ صَدْرُهُ لِجَمِيعِ ذَلِكَ، وَإِلاَّ مَا سَارَ نِظَامُ العَمَلِ، وَحَلَّ الخِصَامُ مَحَلَّ الوِئَامِ، وَوَقَعَ التَّقاطُعُ مَكَانَ التَّوَاصُلِ، فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا أَنْ يُوَطِّنَ نَفْسَهُ عَلَى الحِلْمِ وَالحِكْمَةِ، وَالرِّفْقِ وَالمُعَامَلَةِ الحَسَنَةِ..
كما يجب على المُسلِمَ الحَقَّ ان يَلْتَزِمُ الأَخْلاقَ وَالعَفْوَ، وَيَبْـتَعِدُ عَنِ الانْتِقَامِ وَالظُّلْمِ، وَهَذِهِ هِيَ أَخْلاقُ الأَنْبِيَاءِ – عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – وإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَوَاطِنِ الحِلْمِ وَالعَفْوِ أَجْرًا وَمَثُوبَةً، عِنْدَمَا يَقْدِرُ المُسلِمُ عَلَى الانْتِقَامِ وَالعُقُوبَةِ، فَإِذَا رَدَّ غَيْظَهُ بِالحِلْمِ وَأَتْبَعَهُ بِالعَفْوِ وَكَمَّـلَهُ بِالإِحْسَانِ فَتِلْكَ هِيَ المَرَاتِبُ العَلِيَّا، يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ:( والكاظمين الغيظ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) ان اللهُ سبحانة وتَعَالَى جَزَاهُمُ بِقَولِهِ : أُوْلَٰٓئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّٰتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَٰمِلِينَ) قَدْ تَنْشَبُ بَعْضُ الخِلافَاتِ من تَوَافِهِ الأُمُورِ، وَعِنْدَمَا يَفْقِدُ الحِلْمَ، وَيَستَولِي عَلَيْهِمَا الغَضَبُ، يَرْكُضُ بَيْنَهُمَا الشَّيْطَانُ بِحيْـلِهِ، فَتَشتعل الامور نَارًا،وَبِقَلِيلٍ مِنَ الحِكْمَةِ وَالحِلْمِ تُحَلُّ الأُمُورُ، والغَضَبِ يَتَلاشَى، وَالخِصَامِ يَنْقَلِبُ إِلَى حُبٍّ وَوِئَامٍ.وبالحِلْمَ وَالصَّـفْحَ الجَمِيلَ، تَصْـفُو المَوَدَّة، وَتَقْوَى العَلاقَاتُ، وَتَتَلاشَى جَمِيعُ المُشْكِلاتِ ..