العلو سمو
بقلم الكاتبة: رجاء الطويل
في زمنٍ تتكاثر فيه الأصوات أكثر مما تتكاثر المعاني، يُظن أن الرد السريع قوة، وأن الدخول في كل مواجهة حضور، وأن الصمت تراجع.
لكن الطبيعة، كعادتها، تقدّم درسًا مختلفاً؛
الغراب يهاجم النسر ليس لأنه أقوى، بل لأن الضجيج لا يحتاج مكانة، فيما العلوّ يتطلب اتساعًا لا يطيقه الجميع.
النسر لا يردّ.
لا يناقش، ولا يبرّر، ولا يدخل في معركة لا تضيف إلى مساره شيئًا.
يفعل ما يجيده فقط… يرتفع.
ومع كل ارتفاع، يضيق المجال على من اعتاد التحليق في المساحات المنخفضة.
يَثقل الهواء،
تتعثّر الأجنحة،
ويفقد التوازن،
لا بفعل هجوم، بل بعجزٍ عن مجاراة مستوى أعلى.
في القمم، تتغير المعايير.
تخفت الأصوات،
وتصغر التفاصيل،
وتسقط كثير من الصراعات التي بدت في الأسفل مصيرية.
هناك، لا مجال للجدل بقدر ما هناك وضوح في الرؤية.
العلو ليس تجاهلاً للآخرين، ولا هروبًا من الواقع،
بل اختيار واعٍ لعدم استنزاف الطاقة فيما لا يستحق.
هو إدراك أن بعض الردود تُسقط صاحبها،
وأن التركيز على المسار أهم من الالتفات لكل نقر عابر.
في عالمٍ يتسابق فيه الجميع على الكلام، يصبح الارتفاع فعلًا نادرًا.
أن تمضي في طريقك بهدوء،
أن تجعل عملك هو صوتك،
وأن تدرك أن القيمة الحقيقية لا تصنعها الضوضاء،
بل الاستمرارية والاتزان.
فالقمم لا تحتاج إلى دفاع،
ولا تعرف الصخب،
ومن يصلها يدرك أن السمو ليس فيما يُقال عنه،
بل فيما يختاره لنفسه.
هناك من يضيع عمره يردّ،
وهناك من يقضي عمره يرتفع،
الفرق يحدده الإختيار لا القدرة.
فالسؤال الذي يبقى:
هل ستختار أن تكون صوتًا آخراً في الأسفل…
أم جناحًا هادئًا يرفرف نحو القمّة؟



