أفضل المقالات لعام 2025

مع اقتراب إسدال الستار على هذا العام بما حمله من أحداث وتغيرات، يبرز وقت التأمل واختيار ما يستحق البقاء في الذاكرة. في هذا المقال نستعرض أفضل مقالات نهاية العام؛ تلك التي لامست واقعنا وأثرت أفكارناوتركت أثرا يستحق أن يقرأ من جديد. هنا نضع بين يديك الكلمات التي رافقتنا خلال الرحلة لنختتم بها عاما ونفتتح آخر بروح مختلف
1_ أعمال القلوب
بقلم: حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله ، وصحبه ، ثمَّ أمَّا بعد :
أخي القارئ الكريم : إنَّ العبادة : اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة منها والباطنة ؛ فالعبادة منها أعمالٌ ظاهرةٌ كالصلاة ، والصدقة ، والحج ، وغيرها ؛ وصحة هذه الأعمال الظاهرة مبنيةٌ على صحة الأعمال القلبية ؛ فالأعمال القلبية أساس صحة الإيمان ؛ ومنها تنطلق تعاليم الإسلام الظاهرة ؛ وشعائر الدين العظيمة ؛ كالصلاة ، وغيرها ؛ وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز : ( يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) ( الشعراء : ٨٨ – ٨٩ ) قال الإمام ابن كثير في تفسيره : ” ( بقلبٍ سليمٍ ) أي سالمٍ من الدنس ، والشرك . وقال محمد بن سيرين : القلب السليم أن يعلم أنَّ الله حقٌّ ، وأنَّ الساعة آتيةٌ لا ريب فيها ، وأنَّ الله يبعث من في القبور . وقال ابن عباس : ( إلا من أتى الله بقلبٍ سليمٍ ) أي حييٌّ يشهد أن لا إله إلا الله . وقال مجاهدٌ ، والحسن ، وغيرهما : ( بقلبٍ سليمٍ ) يعني من الشرك . وقال سعيد بن المسيب : القلب السليم : هو القلب الصحيح ، وهو قلب المؤمن ; لأنَّ قلب الكافر ، والمنافق مريض ، قال الله : ( في قلوبهم مرض ) . وقال أبو عثمان النيسابوري : هو القلب الخالي من البدعة ، المطمئن إلى السنة ” انتهى .
أخي القارئ الكريم : ومما يدل كذلك على أهمية القلب في جسم الإنسان ؛ وأنَّه قابل للكفر والإيمان ؛ والبدعة والسنة ، والمعصية والطاعة ؛ ما جاء في قول الله تعالى : ( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) ( الحج : ٤٦ ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً ، إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ ، وإذا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ ، ألا وهي القَلْبُ ) رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما ؛ وفي الحديث عن شهر بن حوشب رحمه الله قال : ( قُلتُ لأمِّ سلمةَ رضي الله عنها : يا أمَّ المؤمنينَ ما كانَ أَكْثرُ دعاءِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ إذا كانَ عندَكِ ؟ قالَت : كانَ أَكْثرُ دعائِهِ : يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ ؛ قالَت : فقُلتُ : يا رسولَ اللَّهِ ما أكثرُ دعاءكَ يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ ؟ قالَ : يا أمَّ سلمةَ إنَّهُ لَيسَ آدميٌّ إلَّا وقلبُهُ بينَ أصبُعَيْنِ من أصابعِ اللَّهِ ، فمَن شاءَ أقامَ ، ومن شاءَ أزاغَ . فتلا معاذٌ رضي الله عنه : رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ) رواه الترمذي في سننه ؛ وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم ٣٥٢٢ .
ومن هذا ننطلق معك أخي القارئ الكريم إلى بيان بعض أعمال القلوب التي تحث العبد على فعل الصالح من العمل ؛ ومنها ما يلي :
١- إخلاص الأعمال والأقوال لله تعالى بأن تقصد بها وجه الله وحده ، والدار الآخرة ؛ قال الله تبارك وتعالى : ( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ) ( الكهف : ١١٠ ) وقال تعالى : ( مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ ) ( الشورى : ٢٠ ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى : أنا أغْنَى الشُّرَكاءِ عَنِ الشِّرْكِ ، مَن عَمِلَ عَمَلًا أشْرَكَ فيه مَعِي غيرِي تَرَكْتُهُ وشِرْكَهُ ) رواه مسلمٌ في صحيحه ؛ إلى غير ذلك من النصوص الشرعية الدالة على وجوب الإخلاص لله فيما يقوله العبد ويفعله من العبادات التي أمر الله بها عباده ؛ وبضد الإخلاص لله أو التوحيد الشرك ؛ وهو صرف شيءٍ من العبادات لغير الله تعالى ؛ وبالشرك تبطل الأعمال والأقوال ؛ ويعرض المسلم نفسه بسببه للعقوبات الغليظة في الدنيا والآخرة ؛ ومن فوائد النية الصالحة أنها تحول العادات إلى عبادات ؛ فيثاب عليها إذا نوى بها التقوي على طاعة الله ؛ فمن أكل ؛ أو شرب ؛ أو نام ؛ أو عمل أعمالاً مباحةً ليعف به نفسه ، وولده عن سؤال الناس كان له في ذلك أجراً عند الله ؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : ( إنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بهَا وجْهَ اللَّهِ إلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا ، حتَّى ما تَجْعَلُ في فَمِ امْرَأَتِكَ ) رواه البخاري في صحيحه .
٢- من أعمال القلوب : التوكل على الله ؛ وهو تفويض الأمور إلى الله في قضاء الحاجات ، وتفريج الكربات مع بذل الأسباب المباحة والمشروعة ؛ لنيل المطالب والأمنيات الدنيوية والأخروية ؛ قال الله تعالى : ( وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) ( المائدة : ٢٣ ) وقال تعالى : ( إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) ( هود : ٥٦ ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( لو أنَّكم كُنتم توكلون علَى اللهِ حقَّ توَكلِه ؛ لرزقتُم كما يرزقُ الطَّيرُ تغدو خماصًا ، وتروحُ بطانًا ) رواه الترمذي في سننه ؛ وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم ٢٣٤٤وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم : ( اللَّهمَّ رحمتَك أَرجو ؛ فلا تَكِلني إلى نَفسِي طرفةَ عينٍ ، وأصلِح لي شَأني كلَّه لا إلَه إلَّا أنتَ ) رواه أبو داود في سننه ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم ٥٠٩٠ وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا خرج الرجلُ من بيتِه ؛ فقال : بسمِ اللهِ ، توكَّلتُ على اللهِ ، لا حولَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ ، فيقالُ له : حسبُكَ ، قد هُدِيتَ ، وكُفيتَ ، ووُقِيتَ ؛ فيتنحَّى له الشيطانُ ، فيقول له شيطانٌ آخرُ : كيف لك برجلٍ قد هُدِيَ ، وكُفِيَ ، ووُقِيَ ) رواه أبو داود في سننه ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم ٤٩٩ .
٣- من أعمال القلوب : حسن الظنِّ بالله تعالى ؛ فيما يقضيه ويقدره على عباده من خيرٍ أو شر في الدنيا والآخرة ؛ يقول الله تعالى في الحديث القدسي : ( أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي ، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي ، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي ، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعًا ، وإنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ) رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما ؛ وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهو يُحْسِنُ باللَّهِ الظَّنَّ ) رواه مسلمٌ في صحيحه ؛ وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : “والذي لا إله غيره ، ما أُعطي عبدٌ مؤمنٌ شيئًا خيرًا من حسنِ الظن بالله تعالى ، والذي لا إله غيره لا يُحسن عبدٌ بالله عز وجل الظنَّ ، إلا أعطاه الله عز وجل ظنَّه ذلك ؛ لأنَّ الخير في يده ” وقال الحسن البصري رحمه الله : ” إنَّ المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل ؛ وإنَّ المنافق أساء الظن بربه فأساء العمل ” .
٤- محبة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ومحبة ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم من الأعمال والأقوال ، وبغض ما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم من الأعمال والأقوال ؛ قال الله تعالى : ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )( آل عمران : ٣١ ) وقال تعالى : ( لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ( المجادلة : ٢٢ ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( ثَلَاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ حَلَاوَةَ الإيمَان : أنْ يَكونَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا سِوَاهُمَا ، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ ، وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ ) رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما ؛ وقال صلى الله عليه وسلم : ( لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن والِدِهِ ، ووَلَدِهِ ، والنَّاسِ أجْمَعِينَ ) رواه البخاري في صحيحه ؛ قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين ( ٣ / ٣٦٥ ) : ” منزلة المحبة ؛ وهي المنزلة التي فيها يتنافس المتنافسون , وإليها شخص العاملون ، وإلى علمها شمَّر السابقون ، وعليها تفانى المحبون , وبروح نسيمها تروَّح العابدون . هي قوت القلوب , وغذاء الأرواح ، وقرة العيون , وهي الحياة التي من حُرمها فهو من جملة الأموات , والنور الذي من فقده ؛ ففي بحار الظلمات , والشفاء الذي من عدمه ؛ حلَّت بقلبه جميعُ الأسقام , واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كلُّه هموم والآم ؛ هي روح الإيمان ، والأعمال ، والمقامات والأحوال ؛ التي متى خلَت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه ” انتهى .
٥- من أعمال القلوب اليقين : أي بأنَّ دين الإسلام الدين الحق ؛ الذي يجب العمل به ؛ وأنَّ الله ناصرٌ عباده المؤمنين المتمسكين به ؛ واليقين بثواب الله لعباده المتقين في الدنيا ويوم الدين ؛ قال الله تعالى : ( وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ) ( الحاقة : ٥١ -٥٢ ) وقال تعالى : ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) ( السجدة : ٢٤ ) قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله في كتابه مدارج السالكين : ” سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول : بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين ” انتهى . وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ( البقرة : ٤ -٥ ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( سلوا اللَّهَ العفوَ والعافيةَ ؛ فإنَّ أحدًا لم يُعطَ بعدَ اليقينِ خيرًا منَ العافيةِ ) رواه الترمذي في سننه ؛ وقال حسنٌ صحيح ؛ وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ” خير ما ألقي في القلب اليقين ” وقال أيضاً : ” اليقين الإيمان كلُّه ” وقال : ” اللهم زدنا إيماناً ويقيناً وفقهاً ” قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره ( ١ / ٣٢٥ ) : ” وحقيقة اليقين : هو العلم الثابت الراسخ التام المثمر للعمل القلبي ، والعمل البدني ” انتهى .
٦- سلامة الصدر : إنَّ من أعمال القلوب سلامة قلب المؤمن من سوء الظن ، والحسد ، والغل ، والحقد ، والعداوة ، لإخوانه المؤمنين في أمورٍ دنيويةٍ ؛ وغيرها من أمراض القلوب ؛ كيف وقد قال عزَّ وجل : ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ) ( الحشر : ١٠ ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا تَباغَضُوا ، ولا تَحاسَدُوا ، ولا تَدابَرُوا ، وكُونُوا عِبادَ اللَّهِ إخْوانًا ، ولا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثَةِ أيَّامٍ ) رواه البخاري ومسلم ؛ وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا تَحاسَدُوا ، ولا تَناجَشُوا ، ولا تَباغَضُوا ، ولا تَدابَرُوا ، ولا يَبِعْ بَعْضُكُمْ علَى بَيْعِ بَعْضٍ ، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا . المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ : لا يَظْلِمُهُ ، ولا يَخْذُلُهُ ، ولا يَحْقِرُهُ . التَّقْوَى هاهُنا . ويُشِيرُ إلى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ . بحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمَ . كُلُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ حَرامٌ ؛ دَمُهُ ، ومالُهُ ، وعِرْضُهُ ) رواه مسلمٌ في صحيحه .
٧- من أعمال القلوب : الخشية ؛ وهي أعظم أنواع الخوف ، والتي يجب أن تكون لله وحده لا شريك له ؛ قال الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ) ( الملك : ١٢ ) وقال تعالى: ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ) ( فاطر : ٢٨ ) وقال تعالى : ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) ( آل عمران : ١٧٣ ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( عَينانِ لا تمسُّهما النَّارُ : عينٌ بَكَت من خشيةِ اللَّهِ ، وعَينٌ باتت تحرُسُ في سبيلِ اللَّهِ ) رواه الترمذي في سننه ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم ١٦٣٩ وقال صلى الله عليه وسلم : ( من خافَ أدلَجَ ، ومن أدلَجَ بلغَ المنزلَ ، ألا إنَّ سلعةَ اللَّهِ غاليةٌ ، ألا إنَّ سلعةَ اللَّهِ الجنَّةُ ) رواه الترمذي في سننه ؛ وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم ٢٤٥٠ وغيرها من النصوص كثير .
٨- من أعمال القلوب : الخشوع ؛ وهو انكسار القلب بين يدي الله تعظيماً له ، ومحبةً له ، وخوفاً وخشيةً منه سبحانه وتعالى ، وذلك عند القيام بعبادةٍ من العبادات التي فرضها الله علينا ؛ ورغبنا في فعلها كالصلاة وغيرها ؛ ويكون الخشوع أيضاً عند الله تعالى يوم يلقاه العبد بأعماله خيرها وشرها ؛ قال الله تعالى : ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ) ( المؤمنون : 1، 2 ) قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين ( ١ / ٥٢٦ ) : ” علَّق اللهُ فلاحَ المُصَلِّين بالخشوع في صلاتهم ؛ فدلَّ على أنَّ مَن لم يَخْشَعْ فليس مِن أهل الفلَاح ، ولو اعتدَّ له بها ثوابًا ، لكان مِن المفلحين ” انتهى ، وقال تعالى : ( وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ) ( الروم : ٢٦ ) يقول الإمام ابن كثير في تفسيره : ” يقول تعالى : ] وله من في السماوات والأرض [ أي ملكه ، وعبيده ، ( كلٌّ له قانتون ) أي خاضعون خاشعون طوعاً وكرهاً . وفي حديث دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، مرفوعاً : كلُّ حرفٍ في القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة ” انتهى . ومما يدل على أهمية الخشوع قول الله تعالى : ( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) ( الأنبياء : ٩٠ ) وقال تعالى : ( يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ) ( طه : ١٠٨ ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( ما مِنَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلاةٌ مَكْتُوبَةٌ ؛ فيُحْسِنُ وُضُوءَها ، وخُشُوعَها ، ورُكُوعَها ، إلَّا كانَتْ كَفَّارَةً لِما قَبْلَها مِنَ الذُّنُوبِ ؛ ما لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً ، وذلكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ ) رواه مسلمٌ في صحيحه ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( هلْ تَرَوْنَ قِبْلَتي هَا هُنَا ، فَوَ اللَّهِ ما يَخْفَى عَلَيَّ خُشُوعُكُمْ ، ولَا رُكُوعُكُمْ ، إنِّي لَأَرَاكُمْ مِن ورَاءِ ظَهْرِي ) متفقٌ عليه .
٩- من أعمال القلوب : الإنابة ؛ وهي الرجوع إلى الله بالتوبة النصوح من الذنوب والآثام ؛ والإقبال على الله بصالح الأقوال والأعمال ؛ قال الله تعالى عن أنبيائه العظام صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين : ( وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَاب ) ( ص : ٢٤ ) وقال تعالى : ( وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَاب ) ( ص : ٣٤ ) وقال تعالى عن شعيب : ( وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيب ) ( هود: 88 ) وقال تعالى عن نبينا محمد صلى اللهُ عليه وسلم : ( ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيب ) ( الشورى : ١٠ ) وقال تعالى : ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيب ) ( هود : ٧٥ ) وأمر الله بالإنابة عباده المؤمنين ؛ فقال تعالى : ( وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ ) ( الزمر : ٥٤ ) وكذا أمرهم في دعائهم بها ؛ فقال تعالى : ( رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير ) ( الممتحنة: 4 ) .
١٠- وأخيراً من أعمال القلوب الرجاء في رحمة الله وفضله ومغفرته في الدنيا والآخرة : وقد دلت نصوص الشريعة على ذلك ؛ فقال عزَّ من قائلٍ حكيماً : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ( البقرة : ٢١٨ ) وقال تعالى : ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ) ( الكهف : ١١٠ ) وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) ( يونس : ٧ ) وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه : { أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ دخلَ على شابٍّ وَهوَ في الموتِ ؛ فقالَ كيفَ تجدُكَ ؟ قالَ : واللَّهِ يا رسولَ اللَّهِ إنِّي أرجو اللَّهَ ، وإنِّي أخافُ ذنوبي ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ : لا يجتَمِعانِ في قلبِ عبدٍ في مثلِ هذا الموطِنِ إلَّا أعطاهُ اللَّهُ ما يرجو ، وآمنَهُ ممَّا يخافُ } رواه الترمذي في سننه ، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي برقم ٩٨٣ .
هذه إخواني القراء أهم أعمال القلوب ؛ ولولا خشية الإطالة في المقال لذكرت غيرها ؛ والله نسأل أن يصلح قلوبنا للتي هي أقوم ؛ وأن يبارك لنا في أقوالنا ، وأفعالنا ؛ وجوارحنا ؛ وأن يلهمنا بها التوفيق ، والتسديد لما يحبه ربنا ويرضاه ؛ وأن يجنبنا أسباب سخطه وعذابه ؛ إنَّه ولي ذلك والقادر عليه .
اللهم آمين .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
2_القرن الواحد والعشرون human zoo
بقلم : رجاء الطويل
هل سمعت عن الحدائق البشرية ؟(human zoo) انتشرت في أوروبا من القرن التاسع عشر حتى القرن العشرون كانوا يشترون البشر ( خاصة من أفريقيا) ويجبرونهم علي ممارسة طقوس حضاراتهم في حديقة أمام الناس لتسليتهم وقد يُلقى لهم ببعض الطعام أو النقود وكذلك يتاجرون بعاهاتهم أو تشوهاتهم الخلقية
اليوم الحديقة البشرية ليست حكراً علي عرق بعينه وليس لها أسوار أو قضبان أو حدود أصبحوا يقتحمون علينا خلوتنا ويتسللون إلي بيوتنا عارضين بكل ثقة وفخر عاهاتهم الفكريه وتشوهاتهم النفسية
نشاهد غرائب وعجائب من كائنات فقدت الحياء وتنازلت عن كل مبداء سعياً وراء مال أو شهرة هدفهم عدد المتابعين وجمع الإعجابات يتابعهم الكبير والصغير مع تفاوت الأراء بين مؤيد ومعارض ومحايد ومن اعتاد
يتمادون إلى أبعد الحدود ليس لديهم رقابة ذاتية ولا ضمن حساباتهم الرقابة الدينية أما الرقابة المجتمعية فلا تعنيهم
أدخلونا الى غرفهم وخصوصياتهم مشاهد إن لم تضرك لن تنفعك
الجميع أصبح يصور اللحظه ليوثقها لغيره عوضاً أن يعيشها
كلّ شيء جميل ومنظم وبراق ثراء شهرة جمال حياة مثالية خالية من المنغصات هذا ما يظهرونه
و( وراء الأكمة ما ورائها)
هذا يتاجر بزوجته وهذه جعلت ابنها محتوى ،مرضاهم وسيلة لجذب التعاطف والتفاعل حتي الموتى لا ترحمهم عدساتهم.
يقدمون كل غث وردئ ينتشرون في عقول الجميع. مشوهين كل ماهو جميل .سرقوا أوقاتنا، محو تخيلاتنا حتى التساؤلات الخجلة أصبحت معروضة بطريقة فجه
صنعوا جيلاً يلهث خلف كل مايرى ،ويشارك كل مايفعل. أهدافهم مادية بحتة وضعوا مقاييس للجمال حد الهوس ومعايير للتصرفات والمصروفات ومن لم يكن ضمن تلك المقاييس والمعايير فهم أقبح وأفقر متقهقرون سنوات ضوئية عنهم فيعتزلوا ويكتئبوا واقع مؤسف عري فكري إبهار زائف متاجرة بالعلاقات والمشاعر زمن اختلط فيه الغث بالسمين والمشوة بالمبدع حتى بات الناس لايفرقون بين الضوء والوميض
فما التحصينات التى يجب أن نضعها في جدول تطعيماتنا لنحصن عقولنا قبل أن نصاب بعدوى التفاهة؟
اولاً : التربية الدينية: العمل علي ترسيخ الدين فهو ليس فقط عبادات او عادات حركية توأدى بل روحانيات يستشعرها القلب وتهواها الروح فتحس بتواصل مع الخالق تهرع للقائه عند كل أذان وتتقرب بالنوافل تتواصل بالدعاء تنتظر الفريضة تلو الأخرى وتكون لها الأولوية
ثانياً: التربية الإجتماعية: الإنخراط في الأعمال المفيدة النافعة الإختلاط بالآخرين والإطلاع على مختلف الآراء والشخصيات الإنشغال بالأعمال التطوعية والخيرية
ثالثاً: القراءة: التي تأخذك وأنت مكانك لتسبح في عوالم بعيدة وأزمنة غابره تلهب حماسك وتشعل مخيلتك تجدد أفكارك تبحر بك الي الماضي بكل ثرواته أو الي الحاضر بكل إنجازاته أن يكون لك بطل حقيقي وما اكثر مافي كتب التاريخ من أبطال
واخيراً كن دائم الحركة كثير العطاء واسع الإطلاع
سافر بروحك حلق بفكرك ارتق بقيمك واسمو بدينك لاتضيع وقتك وتفسد حياتك بالمتابعة والتعليق والمشاركة لهذة المقاطع ازرع حديقة فكرية ودينية تأملية وتحفيزية وانثر بذور تغيير جدير أن يخلد كن متفرداً حتي لو أصبحت منفرداً وإن لم يتغير إلا شخص واحد فقد أحدثت الفرق ولعل البقية تخرج من أقفاصها وتلحق بالركب
وقد تغلق هذة الحديقة يوماً ما؟!
والآن اخبرني هل أنت من زائريها أم مرتاديها؟
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
3_ وجه الحقيقة: التعلق المفرط بين عبء الحب وغيبوبة الذات.
بقلم: د.آمال بوحرب
غالبًا ما يولد الإنسان حاملاً في صدره رغبة فطرية نحو الآخر، وعندما يظهر التعلق العاطفي يتجلى هذا الشغف كتوتر وجودي يربط الدفء بالأمان والاعتماد بالحرية لدى الطرفين على حد سواء، ويشير “جون بولبي” في نظريته إلى أن هذه الحاجة تشكل قاعدة آمنة تتكون في الطفولة وتتجدد في العلاقات الإنسانية، فكل فرد يسعى إلى رابطة تبادلية تمنح الطمأنينة وتحول الحب إلى جدلية بين الاقتراب والحفاظ على الاستقلال.
يجوز القول بان التعلق العاطفي يتجذر في الطفولة إذ يبني كل فرد نموذجًا داخليًا للأمان يؤثر في طريقة تفاعله مع الآخرين، وعندما يتعزز هذا الرابط هرمونيًا عبر مادة “الأوكسيتوسين “تتباين أنماط التعلق بين القلق والتمسك الزائد والتجنب والانسحاب العاطفي، ويصبح التوتر وجوديًا إذا اختل التوازن بين الحاجة للحميمية والحفاظ على الحرية كما يوضح “هيدغر” في مفهوم الوجود مع الآخر.
أما التعلق المفرط فهو في الحقيقة انحراف مرضي عن الحاجة الفطرية إلى القرب وعندما يتحول الشوق الطبيعي إلى اعتماد خانق يفقد الذات استقلالها ويولد دورات من القلق والألم، ويظهر الإفراط في الحب كخوف دائم من الفقدان يدفع إلى فرط التفكير والمراقبة ويثير لدى الطرف الآخر شعورًا بالحصار والانسحاب، فتنهار الرابطة إلى علاقة سامة تعيد إنتاج الصدمات الطفولية وتدمر الثقة، كما يمتد الخطر إلى العلاقات العائلية والمهنية، حيث يُعاق الاستقلال أو يتعرض الفرد للتلاعب العاطفي فتتحول كل علاقة إلى مصدر توتر يهدد الصحة النفسية ويصبح وعي الطرفين ضرورة لضبط الرغبة وتحويل العلاقة إلى تجربة غنية لا سجن نفسي
الأمثلة الأدبية على التعلق المفرط عديدة في رواية “مدام بوفاري” لغوستاف فلوبير، تُجسّد إيما بوفاري نموذج التعلق المفرط العاطفي، إذ ترفض حياتها الزوجية الرتيبة مع الطبيب شارل بوفاري وتغرق في علاقات رومانسية وهمية مع ليون ورودولف، مدفوعة بخيالاتها المستمدة من الروايات التي قرأتها. يتحول هذا التعلق إلى هوس يدفعها للاقتراض المفرط والانغماس في الديون، مما يفاقم معاناتها النفسية ويؤدي إلى انتحارها بتناول السم بعد خيباتها المتكررة، تاركة زوجها وابنتها في الخراب .
ويعد “سورين كيركيغارد” مثالًا حيًا على التعلق المفرط من خلال علاقته بـ”ريجينا أولسن”، فقد خطبها سرًا ثم فسخ الخطوبة بعد عام اعتقادًا منه أن حياته الفلسفية والدينية لا تتوافق مع الزواج، ورغم عشقه لها، استمر تعلقه بها إلى درجة الانهيار العاطفي وتجربة ألم داخلي عميق، مما يعكس تأثير التعلق المفرط على العقل والروح،
وعندما ننظر إلى التاريخ، نجد “قيس بن الملوح” (القرن السابع الميلادي)، شاعر الغزل العذري الأبرز، مثالًا كلاسيكيًا على التعلق المفرط العاطفي الذي تحول إلى هوس مدمر، إذ تعلق بـ”ليلى” ابنة عمه منذ الطفولة، ورافقه حبه طوال حياته رغم رفض عائلتها، مما دفع والده لأخذه إلى الحج للدعاء بشفائه، ولكنه تمسك بأستار الكعبة قائلاً: “اللهم زدني لليلى حبًا وبها كلفًا ولا تنسني ذكرها أبدًا”، فزاد تعلقه بدل أن يُعالجه، وهذا التعلق أدى إلى جنونه الشعري والنفسي حيث هام على وجهه ينشد قصائد تعبّر عن عذابه كقوله: “تعلقت ليلى وهي غِرّ صغيرة / ولم يبد للأتْراب من ثديها حجم”، فتحول حبه إلى مرض يسيطر على وجوده كاملا .
أما “نزار قباني” شاعر الحب العربي الحديث فقد عانى تعلّقًا مفرطًا بالمرأة تجاوز الغزل إلى التمرّد العاطفي والجسدي، وترك أثره في شعره بعد وفاة زوجته، فوصف الحب دائرة مغلقة من الشوق والتملّك، محوّلًا التجربة العاطفية إلى صراع داخلي بين الاستعباد الروحي والرغبة في التحرّر.
وفي عالم العلاقات السريع نواجه خيارات جدلية بين تقليص التعلق لحماية الجرح أو خوض الحب كاملًا مع مخاطره أو الامتناع عن الحب حفاظًا على النفس،
ويصبح البحث عن التوازن الداخلي ضرورة لتحويل الرغبة إلى تجربة غنية تعزز الروح بدل أن تكسرها بحثا يوميا في علاقاتنا في حواراتنا في همساتنا في كتاباتنا .
وأخيرًا، أردت من خلال هذا الطرح أن أشارككم تجربتي الشخصية، فأنا رغم معرفتي بالمفاهيم الفلسفية والعاطفية أفرط أحيانًا بالتعلق بفكرة أو بصديق أو بصديقة أو برجل في المطلق وأحيانًا أشعر أن نصوصي تعكس “الوجود مع الآخر” والاغتراب، حيث يتحول التعلق إلى “صمت جنائزي” أو غيرة تولد صراعًا داخليًا، وعندما أرى في مخيلتي صورة الرجل أرفض أي نوع من العلاقات الخاصة التي أعرف أنها ستؤذيني نتيجة التعلق الزائد، فتصبح النصوص بمثابة “قصيدة أو أقصوصة حب قد أكون غيمة أو فيض من ماء” أعبّر عن انجراف نحو العدم بسبب التمسك المفرط، وهذا يُضيف بعدًا حديثًا للغزل ولكنه في الحقيقةهو الاعتراف وشهادة على هشاشة العلاقة العاطفية مع الشخص المفرط في التعلق،
الذي يعاني في حيرة من امره .
أقول احيانا هل يجب تقليص التعلق لحماية الجرح العاطفي أم يجب مواجهة المخاطر بالحب الكامل؟
أو الحل في الحد من التجربة العاطفية وربما يتحول هنا الإنسان إلى كتلة باردة التفاعل ؟
اما السؤال المهم هو كيف يمكن للفرد أن يتعايش مع الرغبة والواقع في العلاقة بكل اشكالها ؟
ومع يقيني بأن تعلقي بالله وحده يمنحني استقرارًا داخليًا ومحبتكم لي تزيد طمأنينة قلبي
فإني ازداد مع تقدمي في العمر ومع التجارب والنضج الفكري يقينا بأني لا اريد تغيرمفاهيمي ،
فالتعلق شكل من أشكال الحب في كل اتجاهاته ،ويمثل شعورا بالأمان ونوعًا من العطاء والثقة
أحب بهذا الشكل المفرط في التعلق فأفرط في العطاء ولا أفكر في المقابل وإن كان هذا التعلق مرض فلا اريد أن أشفى منه رغم آثاره السلبية والمؤلمة على نفسي واحيانا جسدي
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
4_دربٌ وبريق
بقلم : د.لينة حسن عزوز
تلهمني الأيام الموشّاة بالحسن ؛ الموشحة بالنُبل ، السابحة في ملكوت التسامي، النابعة من قاع التوادّ
أُراهن على أن من أشد الأشياء بؤساً على الذات أن تذيب مجد نفسك من أجل الآخرين! وأن تصهر نشوة فخرك وإعجابك ليكتمل الآخرون،د! وأن تُطفيء من بريق سلطانك ليظفر الأقران بمجد لامع ناصع! .. لكن هذا هو شأن الأحرار النبلاء، وخلق العظماء من الأنبياء
ما أسعد أن ننمو معاً، ونصعد معاً، ونستتمّ قائمين معاً، دون نظر لحظوظ نفس أو تحبير مقام.. !
ما أبهى أن تتعلم كيف تكون امرءاً خالصاً لله، عاملاً لله، ساعياً من أجل الله ..!
وما أعزّ أن تُسخر من إمكانياتك ومهاراتك ولياقتك لتجعل من الآخرين شيئاً مذكوراً مرموقاً، وتهيء لهم مكاناً عليّاً سنيّاً ! وتفسح لهم الدروب ليكونوا ناجحين منعّمين …
حقاً كيف نصنع من نزاعاتنا قصةً للتاريخ، وقصيدة للفخر؟
وكيف تَخرجُ ثمرات التسامح من أكمامها طيّبة شهية الطعم حلوة المنظر؟
كيف نُفضي إلى أشياء الدنيا ومكاسبها ومراتبها، ثم لا نعود إلا بمحامد أخروية يذهل عنها أهل الأرض ويعدّها أهل السماء عَدّاً في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى، إنه والذي نفسي بيده لهو النجاح الحقيقي..
هنيئاً لمن دحا الإحن والضغائن، وعمل على تهذيب ذاته فجلّاها وزكاها وما دسّاها!
هنيئاً لكل ذي سعةٍ أنفقَ من سَعة أخلاقه، وانتزَع الشحناء والبغضاء، وفاءَ إلى التآخي والتصافي، وفتح الأقفال، وحاول الإجفال عن المعاتبة، وهضم نفسه، و نأى عن تلميع اسمه حتى يتكامل بناء الجماعة …..
اللهم جنّبنا كل فعل معتل، و أكرمنا بكل خلق صحيح ظاهر ناصع ساطع … وبلغنا ” وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ” .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
5_ متلازمة الإنجاز الزائف: كيف يسرق الانضباط سعادتنا؟
بقلم الكاتب : أهداب المنديلي
نعيش اليوم في زمن يخلط فيه الكثيرون بين الانضباط الحقيقي والإرهاق المفرط. كم مرة شعرت أنك تركض بأقصى سرعتك، فقط لتبقى في مكانك؟ إن “الانضباط” الذي كان يوماً مصدر قوة، أصبح الآن قفصاً ذهبياً نُعاقب فيه أنفسنا، خوفاً من أن نُتهم بالتقاعس أو التراخي.
لقد تحوّل الموظف إلى مشروع إنتاجي دائم؛ هدفنا ليس العمل بفعالية، بل العمل طوال الوقت. الراحة أصبحت تُشعرنا بالذنب، والهدوء يوحي لنا بأننا لا نبذل جهداً كافياً.
عندما يصبح الانضباط قناعاً
المشهد المعتاد في المؤسسات هو الاحتفاء بالمتميز: الموظف الذي لا يتأخر، الذي يرد على الرسائل بعد منتصف الليل، والذي لا يشتكي أبداً. هذا الشخص يُنظر إليه كـ”بطل” الانضباط.
لكن خلف هذا القناع البراق، يتراكم تعب نفسي صامت. هذا التعب لا يظهر في سجلات الحضور، ولا يُحتسب في ساعات العمل الإضافية، لكنه يستهلك حياتنا ويهدد جودة تفكيرنا وقدرتنا على الإبداع. الإنجاز الذي يأتي على حساب صحتك هو في الحقيقة إنجاز زائف.
المنطق يخبرنا أن الانضباط المفرط لا يقود إلى الكفاءة، بل إلى نفاد الطاقة. عندما يتحول النظام إلى هدف بحد ذاته، يصبح جامداً. نفقد القدرة على التفكير بمرونة، وتذهب منا لحظات التلقائية والإلهام التي تولد الأفكار الكبرى. نحن لا نُرهق من العمل، بل من محاولة الظهور بمظهر “المثالي الذي لا يُقهر” أمام نظام لا يرى فينا سوى أرقام.
المفارقة الصارخة: التوازن المفقود
هنا تكمن المفارقة الأكبر والأكثر إيلاماً: الشركات التي تنادي بأعلى صوت بضرورة “التوازن بين الحياة والعمل” هي أول من يكافئ أولئك الذين فقدوا هذا التوازن تماماً. هي تطلب منك أن ترتاح، لكنها تمنح الترقية لمن يضحي براحته. هذا التناقض يضع الموظف في مأزق نفسي حقيقي: إما أن يحافظ على صحته ويخسر السباق المهني، أو أن يركض نحو الاحتراق ليفوز.
الانضباط الحقيقي: فن الغياب الواعي
الانضباط الناضج والحقيقي ليس في أن تكون موجوداً دائماً، بل في أن تتقن فن الغياب الواعي. أن تكون منضبطاً يعني أنك تعرف قيمة وقتك وطاقتك.
كيف نمارس الانضباط الرحيم تجاه أنفسنا؟
1. اكتشف حدودك: لا تنتظر الانهيار. ضع حداً فاصلاً للعمل في يومك، واعترف أن قدرتك على العطاء مرتبطة مباشرة بقدرتك على التعافي.
2. جرأة الرفض: تعلم أن تقول “لا” بهدوء وحكمة. رفضك لمهمة اليوم ليس تقاعساً، بل استثماراً في قدرتك على إنجاز مهمة الغد بجودة أعلى.
3. ابنِ استدامتك: استبدل نوبات العمل القاسية المتقطعة بعادات يومية صغيرة ومستمرة. الاستدامة لا تأتي من العنف، بل من اللين والتنظيم المدروس.
لقد بدأت المؤسسات المتقدمة تدرك أن استمرارية الأداء لا يمكن أن تُبنى إلا على قوة داخلية، على وعي الموظف الذاتي بحدوده. قيمتنا الحقيقية ليست في عدد ساعات الإرهاق، بل في عمق وجودة الإنجاز الذي نقدمه حين نكون أصحاء ومرتاحين.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
6_ طفولة بلا دفء
بقلم: د. هنيدة بنت نزيه قدوري
تعجبتُ كثيرًا من مواقف شاهدتُها لأطفالٍ في مدن الألعاب الترفيهية، فوجدتُ ذات مرة طفلًا يعاني من صعوبة في الكلام، وكلماته غير مفهومة، تُرِك وحيدًا في مدينة الألعاب المغلقة من الساعة الحادية عشرة صباحًا وحتى الخامسة عصرًا، دون أدنى اهتمام من والديه باحتياجاته الأساسية. فوجد في اهتمامي به ملجأً لتعويض غيابهما عنه.
وأجد طفلةً أخرى تطلب مني أن أُشاهدها أثناء اللعب، وتشجعها، وتدعمها، وتحتضنها، وأخرى ترغب في مرافقتي أثناء اللعب؛ لعدم رغبتها في اللعب مع المربية التي ترافقها. ومشاهد كثيرة لأطفالٍ شعروا بحجم الفراغ الناتج عن غياب كثير من الآباء والأمهات في زحمة الحياة المعاصرة.
فنجد الآن في معظم البيوت غياب الوالدين أو أحدهما عن حياة أبنائهم، سواء بالبعد العاطفي أو الانشغال بالعمل؛ فالأب يسعى لتلبية الاحتياجات المادية للطفل، وينسى أن أبناءه في حاجة إلى الشعور بالدعم والاستقرار والأمان والانتماء إلى الأسرة والمجتمع، أما الأم فتسعى إلى الاستقلال المادي، والتطوير المهني، وبناء العلاقات الاجتماعية، فيكون الوقت المتاح للبقاء مع أبنائها قصيرًا جدًا، فلا تستطيع التعرف على مشاعرهم أو احتياجاتهم أو سلوكياتهم الخاطئة لتصحيحها، أو مهاراتهم وقدراتهم المتميزة لتعزيزها.
وتكون الوسيلة المستخدمة للتعويض عن الغياب والإهمال العاطفي لهم هي الإغداق عليهم بالهدايا، اعتقادًا بأن الهدايا هي المطلب الأساسي لهم. ولكن الغياب لا يُقاس بالمسافة أو بالزمن، بل يُقاس بمدى حضورهم في وجدان أبنائهم؛ فغياب الوالدين لا يخلق فقط فراغًا جسديًا، بل فراغًا داخليًا يبحث عمَّن يملؤه، مما يجعل الطفل أكثر قلقًا وخوفًا من الفقد والغياب والتعلق، وأقل ثقةً وأكثر انعزالًا، فيبحث عن الاهتمام في أماكن أخرى، مما يزرع برودةً في العاطفة، وضعفًا في الأمان الداخلي، وتتكوَّن لديه قناعة خفية بأن الحب مشروط، وأن الحضور أمرٌ يُطلب ولا يُمنح. فتمتد آثار الغياب إلى سلوكياتٍ دائمة ترافقهم، وتؤثر على قدرتهم في بناء علاقاتٍ صحية في المستقبل.
فحضور الوالدين ليس وقتًا بل أثرًا؛ فالمطلوب من الوالدين قضاء ساعاتٍ غير طويلة بجانب أبنائهم، تترك أثرًا عاطفيًا حقيقيًا في كل لحظة يقضونها معهم، من نظرة اهتمام، وكلمات دعم، وعناقٍ دافئ قبل النوم، والتعبير عن الحب بالكلمة والابتسامة واللمسة، والإصغاء إليهم بصدقٍ حين يتحدثون، وتخصيص وقتٍ يومي ولو قصير للمشاركة واللعب، وترك الأجهزة وكل ما يحجب التواصل الإنساني الحقيقي داخل البيت.
كلها تفاصيل صغيرة ولكنها تبني جدار الأمان النفسي لدى الطفل؛ فالطفولة مرحلة لا تُعاد، وما يُزرع فيها يبقى أثره مدى الحياة. والحضور الحقيقي هو أن يشعر الطفل بأنه مرئي، مسموع، ومحبوب بلا شروط.
فالدفء العاطفي ليس رفاهيةً تربوية، بل هو الأساس الذي تُبنى عليه شخصيةٌ متزنة، وقلبٌ مطمئن، وعقلٌ سوي. فكل لحظة دفءٍ تمنح الطفل شعورًا بالطمأنينة، وتزرع في قلبه يقينًا بأن الحب لا يغيب حتى لو غاب الجسد.
فليكن غيابنا مبررًا بالضرورة، لا عادةً بالتقصير، ولنجعل أبناءنا يشعرون أننا معهم دائمًا، حتى وإن غبنا عن أعينهم؛ لأن أعظم هديةٍ نهديها لهم هي “الحضور بكل معانيه”.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
7_ إدارة اليوم قيادة الغد
بقلم: د. مشاعل الغفيلى
في زحمة المسئوليات اليومية وتتابع المهام، يطلّ علينا « يوم المدير العالمي » كوقفة تأملية نُعيد فيها تعريف الإدارة من جديد بخيارات واعية لديها بصيرة الإدراك بالعمل ونتائجه فالإدارة ليست موقعًا في الهيكل، ولا سلطةً في القرار، بل هي رسالةٌ إنسانيةٌ ومسؤوليةٌ أخلاقية، يحمل صاحبها سراجًا يضيء دروب العمل بالقدوة والإلهام وفي القلوب معنى القيادة الحقيقية التي تُترجم القيم إلى ممارسات، والرؤية إلى واقعٍ يُصنع بخطواتٍ مليئة بالعطاء. تتطلع إلى الميزان العدل التوازن بين العقل والقلب قيادةٌ ترى في الخطأ استدراك ومراجعة وتأني وفي النجاح ثمرة جهدٍ مشتركٍ وعمل فريق لا مجدٍ ينسب لفرد ، تحوّل الأهداف إلى واقعٍ ينظر إلى المستقبل كحاضرٍ يُبنى اليوم وفي كلِّ يومٍ وفي كلِّ منظَّمةٍ حيث تعتلي الإدارةُ بوعيها وسَداد رأيها، تُقيمُ أُسُسَ ذلك البناءِ وتُوجِّه مسيرتَه نحو قطارَ الرؤية الذي يمتد ليحرك عجلة التنمية نحو منظومة الاستدامة، فيولد النجاح الذي يمزج الرؤية بالإيمان، والإدارة بالعطاء؛ نجاحٌ يُقاس بالأثر ، ويتجلّى في الممارسات العملية اليومية وصحة العلاقة المهنية بين المدير القائد وفريقه.
فما نراه اليوم من تقدمٍ في شتى المجالات لم يكن ليُكتب لولا بصمات قادةٍ إداريين أيقظوا الهمة ، وصاغوا المبادرة ، وبنوا الإنسان قبل البنيان ، فكانوا القدوة وصُنّاع الأثر بإدارة موارد إلى إدارة سلوكٍ إنسانيٍّ متكامل متعددة الأبعاد يجمع بين سلوك الفرد ، والفهم الاجتماعي للجماعة، والرؤية الثقافية للمجتمع ليساهم في صناعة القرار الرشيد ، وتتكوّن فرق العمل المتماسكة، وتتحقق الأهداف بكفاءةٍ واستدامة في دلالةٍ عميقةٍ على أن الإنسان هو المحور والغاية، وهو من استخلفه الله في الأرض ليعمرها ويسعى في بنائها.
وكما قيل: “عندما أعدت بناء الإنسان، أعدت بناء العالم أيضًا.”
كلُّ عام وأنتم يامدراء قادة للخير والعطاء ، كل عام وانتم في خير وبخير عادت إليكم الايام وتمَّت لكم الآمال وجعلكم ربي للفضلِ دليلا، وأبعد عنكم الشر فِعلًا أو قِيلا وأدام عليه نعمة القيادة بالإدارة الحكيمة.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
8_ومضة من نور في سورة العصر
بقلم الكاتبة : أمير الحداد
في تأملاتنا القرآنية، لا نكاد نفيق من إبهار إحدى آيات الإعجاز العلمي ومنهجيّاته المعرفية، حتى يتجلّى لنا المزيد من الفهم عند التعمّق في التأمل والتفكر. وربما في لحظةٍ ما نصل إلى معنى لآيةٍ طالما رددناها دون أن ننتبه إلى عمقها أو نقف على مفهومها من قبل.
وفي عالم اليوم، حيث تتكاثف الضغوط وتتسارع الإيقاعات، فتبدو سورة العصر ذات الآيات الثلاث منارةً خالدةً تعيد للإنسان اتزانه وتوازنه الداخلي. فهي تحمل في عمقها منهجية لتجاوز المواقف العصيبة، خاصة في زمنٍ يُقاس فيه النجاح بالمكاسب السريعة والمظاهر العابرة، لتذكّرنا بأن خسارة النفس أعظم من خسارة الدنيا،
يأتي هذا التأمل بالتزامن مع اليوم العالمي للصحة النفسية ونتعلم منهجية قرآنية لعبور الأزمات بسلام، حيث تكشف السورة عن الصراع النفسيّ الذي قد يعيشه الإنسان، فيسعى للانتصار لذاته خروجًا بأكبر مكسبٍ ممكن، أو محاولةً لتفادي الخسائر المحتملة، أو ربما يستسلم لتلك المواقف التي قد تُلقي به في قاعٍ مظلمٍ تحجب عنه بصيرته.
جاء القسم الإلهي في مطلع السورة: “والعصر”، وهو قسمٌ بالزمن، قسمٌ مطلق يشمل زمننا وزمن السابقين واللاحقين، بكل ما يحمله كل عصرٍ من تشكيلاتٍ اقتصاديةٍ واجتماعيةٍ وإنسانية. كما يتسع المعنى ليشمل كل مرحلةٍ زمنيةٍ من حياة الإنسان، يمرّ فيها بتجارب ومواقف قد تأخذه إلى منحًى معاكسٍ لرغباته وآماله.
ثم تأتي الآية الثانية بتأكيدٍ إلهيٍّ على حقيقة الخسارة التي قد تعترض الإنسان في عصره ورحلته الحياتية، وما يواجهه من تياراتٍ وأزماتٍ تضعه أمام نتيجةٍ حتميةٍ إن هو تخلّى عن وعيه وثوابته: “إن الإنسان لفي خسر”. أي أن الإنسان، بإنسانيته وقيمه وذاته التي بناها عبر السنين، يكون في حالة خسارةٍ حين يضطرب وعيه ويتنازل عن مبادئه التي تحفظ له توازنه الإنساني والروحي.
غير أن الله سبحانه وتعالى استثنى فئةً مؤمنةً صادقة، فقال: “إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر”، أربع مراحل جمعت في آية واحدة والتي تعتبر كفيلة بأن تُمكّن الإنسان من الخروج منتصرًا من معاركه في خوض التجارب العصيبة.
تبدأ بـ الإيمان كمنطلقٍ رصينٍ وصفةٍ علاجيةٍ تمكّنه من رؤية الخير في التجربة والنور في العتمة، فيؤمن بأن هناك خلاصًا مؤكدًا ونصرًا من رب العالمين.
ثم العمل الصالح الذي يجعله ثابتًا لا يسمح بانهيار قيمه ومبادئه، بل يجتهد ليكون على قدر إنسانيته، فيحترم ذاته وقيمته كإنسان، ولا يكون ضحية انفعالاته، ويترفع عن كل سلوك ينم عن التهور والغوغائية.
بعدها التواصي بالحق، والبداية هنا في تعامله مع ذاته أولاً حيث يسعى لأن يتمسك بالقيم التي يؤمن بأنها منبع الصلاح والاستقامة، فيُزكّي نفسه من شوائب الأخلاق وفساد السلوك، ولا يقف المؤمن عند حدود ذاته، بل يتعداها إلى مناصرة من حوله وفي المجتمع بأن يبني روابط متينة تسهم في قيام علاقات رصينة متماسكة تحصّن البناء الإنساني من الانهيار ، فيُرسّخ قاعدةً من العلاقات المتينة الخالية من المصالح الشخصية، الصادقة في جوهرها، المستندة إلى صفاء النية وسلامة القلب، والمنتصرة لقيم الإحسان والعدل والدعم بالعلم والنصح الرشيد. فالحق هنا يتجلّى في تعامل الإنسان مع ذاته أولًا، ثم مع الآخرين، سواء في الأسرة أو العمل أو المجتمع..
ثم يأتي التواصي بالصبر ختامًا للمراحل الأربع، وتأكيدًا على اكتمال الرحلة الإيمانية، كفضيلةٍ تمنح النفس قوةً وصمودًا أمام التيارات التي قد تجرف الإنسان إلى القاع إن تخلّى عن هذه المنهجية الحياتية، فيحافظ على شعلة الطموح متقدةً، ويملأ روحه صبرًا وأملًا بوجود مخرجٍ لكل أزمة، ثم يبث هذا الأمل في الآخرين فيكون دعمه لهم نبض حياةٍ يوقظ فيهم التفاؤل، لتتكوّن بذلك قوةٌ مجتمعية متماسكة تنهض بالإنسان ليواصل المسير بثباتٍ نحو تحقيق آماله.
وهكذا تبقى سورة العصر، على قصرها، منهجًا حياتيًا ودستورًا روحيًا لبناء النفس في مواجهة المصاعب والمحن، لتؤكد أن الربح الحقيقي هو في اتساق الإنسان مع قوة إيمانه وقيمه، ووعيه، واتزانه.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
9_ في رحاب العربية
بقلم : د. رغدة الإدريسي
لماذا نتعلم اللغة العربية؟
من الطبيعي أن يُلحّ هذا السؤال في هذه الأيام التي علا فيها شأو العلوم التطبيقية، وصار قوام حياة الإنسان هذا التقدم التقني المذهل الذي نعيشه.
فبينا وصل الإنسان إلى الذكاء الاصطناعي الذي يؤلف البحوث، وينشئ العروض، ويجيب المعضلات العلمية في ثوان، لا بد لنا أن نتساءل عن مدى حاجتنا لتعلم الفاعل وإعرابه، والنواسخ وحالاتها، وتقدم الخبر على المبتدأ وعلاماته. . والحقيقة أن هذا السؤال منوط بكل العلوم الإنسانية كذلك، وهي العلوم التي تشكل الهوية؛ أي هي التي تجعل منك نسخة مميزة عن غيرك من البشر، وهي التي تصنع مبادئك وقيمك، وتكون تفكيرك، وهي التي تصنع قراراتك في المواقف الأخلاقية، وهي التي تجمعك مع أشباهك وأمثالك ممن تكلموا اللغة نفسها فحملوا القيم ذاتها.
فاللغة ليست نحوا وإعرابا وأدبا فقط، وإنما هي قالبٌ ثقافيٌ متكامل، يكوّن جوهر الإنسان ويصنعه، وهذا الإنسان هو من يصنع هذه الحضارة العلمية للأمم، إذ لاتوجد حضارة عظيمة عبر التاريخ ازدهرت علميا إلا وقد ازدهرت أدبيا ولغويا وفكريا أيضا.
وإنه لمن المحزن أنه في الوقت الذي تحاول فيه المؤسسات التعليمية في العالم العربي الانسلاخ من ربقة تعلم العربية، والسعي الحثيث لتخفيض حصصها، لا يزال العالم الغربي يعمل حثيثا في مجال اللغويات وعلومها، وينشئ الأقسام العلمية التي تدرسها، ويبحث عمّ يجعل لغاتٍ ما تموت وتنتهي، ولغاتٍ أخرى تعيش وتستمر، ويضع كل يوم طرائق جديدة لتعليم اللغة وتسهيلها.
لقد وضع الغرب اللغة على طاولة التشريح، ولبسوا لأجلها القميص الأبيض وأدخلوها المعامل، وشرّحوا أعمق أعماقها، وساروا في ذلك خطوات واسعة، فعلى سبيل المثال وضعوا أبجدية صوتية دولية (IPA ) وهي أبجديةٌ أنشئت بواسطة الجمعية الصوتية الدولية، لتصنيف الأصوات بناء على مكان وكيفية تشكيلها في الجهاز الصوتي البشري، إذ وضعت رموزا أبجدية صوتية لجميع أصوات لغات العالم المنطوقة اليوم؛ مما يؤهل المتمكن منها لقراءة أي نص بأي لغة، ما دامت كتبت بهذه الرموز، ويهدف هذا العمل إلى تسهيل تعليم وتعلم اللغات، وتسهيل الحفاظ على التراث الإنساني، ونقله لعدة لغات.
لقد أدخل الغرب اللغة المعمل، وأخذوا يقيسون أصوات حروفها ويدونونها، لأنهم اكتشفوا أن من أسباب موت اللغة؛ هو تغيّر نطق أصواتها عبر السنين، فعملوا على تدوين سجلات صوتية بطريقة علمية؛ للمحافظة على اللغات الحية من الموت والزوال، والعجيب أن علماءنا المسلمين قاموا بهذا الدور منذ أكثر من ألف سنة؛ لما دوّنوا مخارج كل حرفٍ عربيٍ بالتفصيل، ولا يزال يُتعلم هذا العلم (التجويد) إلى يومنا هذا، وبه يستطيع غير الناطق بالعربية أن يتلو القرآن تلاوة فصيحة دون أن يعرف معنى ما يقرأ.
بل لقد بلغ من اهتمام العالم الغربي باللغة وتسخير العلم الحديث لها، أن قاموا بدراسة الدماغ البشري للناطقين بلغات مختلفة، متسائلين عمّ إن كانت اللغة تؤثر على طريقة وكيفية عمل الدماغ.
فقد كشفت دراسة ألمانية أن أدمغة المتحدثين بالعربية تختلف عن أدمغة المتحدثين بباقي اللغات؛ فبعد مسح أدمغة 47 مشتركا بالرنين المغناطيسي، وجدوا أن الناطقين بالعربية لديهم ارتباط أقوى بين نصفي الدماغ الأيمن والأيسر أي ما يسمى بالجزء الصدغي، ولديهم دوائر عصبية مختلفة لمعالجة اللغة العربية تختلف عن الدوائر العصبية التي تعالج اللغة الألمانية، والسبب في ذلك هو اتجاه العربية من اليمين إلى اليسار، واعتمادها على الاشتقاق من الجذر الواحد، واعتماد كتابتها على وصل الحروف وتشابكها، هذه الخصائص اللغوية في النطق والكتابة تعمل على تشغيل نصفي الدماغ معًا، عكس اللغات التي تتجه من اليسار إلى اليمين، و تعتمد على العلاقات الدلالية وليست الجذرية، فهذه اللغات المذكورة تشغل الجزء الأيسر من الدماغ فقط، وهو الجزء المسؤول عن المعالجات النحوية بين الجمل، مما يمكّن الناطقين بلغات أخرى كالألمانية من فهم الجمل المعقدة أكثر من الناطقين باللغة العربية، ولعل هذا هو السبب الذي يجعلنا نحن القراء العرب لا نفهم الكتب المترجمة، ولا نفهم ماذا يريد الكاتب أن يقول، فتبدو لنا الصفحات مكرورة الكلام دون معنى جديد محدد.
بل إن من أعجب الدراسات هي دراسة أجريت على المريض اللبناني (ZT ) وهو ثلاثينيٌ ناطقٌ بالعربية لغةً أم، وبالفرنسية لغةً ثانيه، أصيب (ZT) بجلطة دماغية أدت إلى تطوير ديسلكسيا عميقة، أي عسر قراءة عميق، قام باحثان لغويان بدراسة وتحليل أعراض عسر القراءة التي أصيب بها المريض، ومقارنة أعراضها بين اللغتين العربية والفرنسية، فوجدوا أن هذا المرض يتأثر بخصائص اللغة، فقد كان المريض عند اختباره في اللغة العربية، يخلط باستبدال الكلمات بكلمات من نفس الجذر والوزن؛ فيقرأ مسلّمات: سلامات، وكَتَبَ :كُتُبَ، كما كان يخلط بين الحروف المتشابهة كتابيا، فيقرأ مثلا: بيت: ثيت، فالدماغ يتعامل مع الكلمة العربية باعتبارها مركبة من جذر + وزن، بينما كان عسر القراءة في اللغة الفرنسية مختلفا يظهر في الصوت: فكلمة pain يقرأها bain ، فالخلل هنا صوتي بسبب تقارب الأصوات، أي أن الدماغ يفشل في المعالجة الصوتية التحليلية فرنسيا، ويفشل في المعالجة الكتابية عربيا بينما يحافظ على وزن الكلمة أو جذرها، والخلاصة من الدراسة أن أمراض الدماغ تتأثر باللغة، إلى هذه الدرجة تؤثر فينا اللغة و تصنعنا.
يعني أن دماغك يا عزيزي القارئ العربي؛ يفكر بالعربي، ويمرض بالعربي، ويعمل بالعربي.
إن القالب اللغوي العربي الغني بقصص العرب، وسيرهم وعاداتهم وتراثهم ودينهم الإسلامي، هو ما يصنع هويتك كإنسان، وهو ما يشكّل الوجه الأخلاقي والإنساني للأوطان والحضارات.
ولذلك جعل الله تعالى معجزة نبيّه صلى الله عليه وسلم هذا الكتاب المبين، بلغته العربية الخالصة، فياله من شرف أن تكون ناطقا بهذه اللغة، تقرأ بها رسائل ربك، وتفهم كلامه، وتقف خلف الإمام فتفهم صلاتك ودعائك، وطوبى لك أنك لا تزال تنطق واحدة من أقدم لغات الأرض التي لا تزال حية إلى اليوم، بينما العمر الافتراضي لأغلب لغات العالم لا يتجاوز 150 سنة.
إنها لمنحةٌ عظيمةٌ لا يعرف قيمتها إلا مسلم صادق حُرِمها، ويتوق إلى تعلّمها ما كان له إلى ذلك سبيل
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
10_ الرقمنة: حين تعبر الأسرة إلى وطنٍ لم تخطط له
بقلم :عبير بن صديق
لم تعد الرقمنة مجرد تطور تقني يسهّل تفاصيل الحياة اليومية، بل تحوّلت إلى تجربة وجودية كاملة تعيد تشكيل بنية الأسرة من الداخل. لقد دخلت البيوت بهدوء، دون إعلان أو استئذان، حتى وجدنا أنفسنا نعيش في فضاء جديد لا يشبه ما ألفناه ، لا تُرسم حدوده على الخرائط، بل في أنماط الوعي، وطريقة التواصل، وإعادة تعريف الأدوار داخل الأسرة الواحدة.
إنها رحلة لا تحتاج إلى جواز سفر، ولا تُسبق بحقائب، ومع ذلك تحمل من التحوّلات ما يفوق السفر في المكان والزمان معًا. ففي هذا العالم الرقمي تتبدل اللغة، وتتغير الطقوس، وتُعاد صياغة العادات اليومية ببطء لا يُرى لكنه عميق الأثر. أصبح النقر بديلاً عن الطرق، والنافذة الإلكترونية أقرب من نافذة الجار، وانتظار استقرار الشبكة يحل محل الوقوف في طوابير كانت تمنح الناس وقتًا للحديث والتلاقي.
ولا تعبر الأسرة هذا الفضاء الجديد بطريقة واحدة. فكل فرد يدخل الرقمنة من زاويته الخاصة، وبخبرته ومخاوفه واستعداده المختلف. فتجد أب تشكل وعيه المهني في بيئة إلكترونية غالبًا ما يتعامل مع العالم الرقمي كمساحة مألوفة؛ يرى في التطبيقات أدوات، وفي المنصات جسورًا، لا حواجز. في المقابل، قد يقف الابن – رغم ادواته الجامعية تعتمد على الرقمنة 100% في حالة صمت وتردد، يحاول مواكبة ما يبدو طبيعيًا للآخرين، دون أن يجد له موطئ قدم حقيقيًا.
أما الأطفال، فقد يسبق بعضهم فهم الخوارزميات قبل أن يفسرها المختصون، بينما يكتفي آخرون بدورهم داخل اللعبة أو المنصة، دون رغبة في استكشاف ما وراء الشاشة. وقد تجد ربة المنزل التي لم تعمل يومًا خارج البيت تتقدم نحو العالم الرقمي بخطوات هادئة، لا بدافع الواجب فقط، بل بشغف اكتشاف مساحة شخصية جديدة، ورغبة في إثبات أن التعلم لا يرتبط بالعمر ولا بالمهنة.
في هذا السياق، يتضح أن الرقمنة ليست مجرد تحويل للخدمات إلى شاشات، بل هي إعادة توزيع للأدوار داخل الأسرة. ما كان حكرًا على الأكبر بات في متناول الأصغر، وما كان يتطلب حضورًا جسديًا صار يُنجز عن بُعد. إنها تداخلات بين التعليم والعمل والصحة والاقتصاد والحياة الاجتماعية والحوارات اليومية تعيد تشكيل العلاقات بين أفراد الأسرة كما يعيد النهر نحت ضفافه؛ ببطءٍ صامت، لا يترك شيئًا على حاله.
وككل تحوّل كبير، للرقمنة وجهان. فهي تمنح الأسرة سهولة في الإنجاز، واتساعًا في الخيارات، ووعيًا جديدًا يعزز قدرة الفرد على إدارة حياته. لكنها في الوقت ذاته قد تخلق فجوات صامتة بين الأجيال، وتزيد من عزلة البعض، وتضعف دفء الجلسات العائلية التي كانت تقوم على الحضور الحي، لا على الإشعارات المتلاحقة.
غير أن جوهر الرقمنة لا يكمن في سرعتها أو تقنياتها، بل في الأسئلة التي تفرضها على الأسرة والمجتمع معًا:
هل نملك القدرة على عبور هذا العالم الجديد دون أن نفقد دفء العالم القديم؟
وهل نستطيع حمل قيمنا معنا لتكون بوصلتنا الأخلاقية في فضاء لا يعترف إلا بالإيقاع المتسارع؟
وهل يمكن للأسرة أن تحافظ على توازنها وهي تتوزع بين واقع يُلمس وآخر يمر عبرها كتيار غير مرئي؟
إن الرقمنة ليست اختبارًا للتقنية بقدر ما هي اختبار للإنسان. اختبار لمرونته، وقدرته على التكيّف، واستعداده لتقبّل الاختلاف داخل أسرته وكل التباينات ودرجات التقبل فيها، فتحمل في داخلها بذرة انسجام كامنة؛ يكفي أن يُفهم كل فرد وفق تجربته، وأن يُسمَع خوفه قبل أن يُطلب منه الاندماج.
نحن إذًا لسنا أمام ثورة تقنية فحسب، بل أمام ثورة إدراكية تعيد تعريف علاقتنا بأنفسنا وبمن نحب. ولعل أجمل ما في هذه الرحلة الصامتة أننا لم نخترها، ومع ذلك نملك القدرة على منحها معنى ؛ أن نحولها من عبورٍ مُربك إلى عبورٍ ناضج، ومن انتقالٍ غير مرئي إلى فرصة لاكتشاف ذواتنا من جديد، والبقاء متماسكين… حتى ونحن نتغير في كل يوم
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
11_البعد الخفي للتعليم: أثر الشخصية في بناء تعلم فعّال.
بقلم : د. عبير علي بدوي
تلعب نظرية الشخصية دورًا محوريًا في فهم الفروق الفردية بين المتعلمين، لكنها لم تعد اليوم مجرد إطار نظري يصف أنماط السلوك أو السمات الإنسانية؛ بل أصبحت أداة تربوية مؤثرة تسهم في الارتقاء بعملية التعليم عندما تُوظَّف بوعي نقدي. فالتعليم الحديث لم يعد مقتصرًا على نقل المعرفة، وإنما بات يهدف إلى بناء إنسان يفكر ويتفاعل ويحلل ويتعلم وفقًا لقدراته وميوله وأساليبه الخاصة. وهنا يظهر دور نظرية الشخصية كجسر حقيقي بين ما يملكه المتعلم من خصائص فطرية ومكتسبة، وبين ما يحتاجه من خبرات تعليمية تعزز تطوره الأكاديمي والوجداني.
إن فهم شخصية المتعلم يساعد المعلم على قراءة ما وراء السلوك الظاهر داخل الصف، ويمكّنه من التمييز بين ما هو ناتج عن نمط شخصية معيّن وما هو استجابة لظروف أو مواقف تعليمية. وهذا الفهم العميق لا يمنح المعلم القدرة على تقديم تعليم أكثر عدلاً فحسب، بل يسمح أيضًا بتصميم خبرات تعليمية أكثر مرونة وواقعية. فعلى سبيل المثال، قد يظهر طالب انطوائي في بيئة تقليدية على أنه غير مشارك، لكن نظرية الشخصية تكشف أن هذا الطالب قد يكون متفوقًا في التحليل العميق والتفكير المنطقي، مما يستدعي أنماطًا مختلفة من الأساليب التدريسية تتناسب مع نمطه المعرفي.
ويمثل التفكير الناقد هنا بعداً مهمًا في فهم العلاقة بين الشخصية والتعليم؛ إذ يدفع المعلم إلى الابتعاد عن الأحكام السطحية التي تعتمد على الملاحظة المباشرة، ويحثه على تحليل سلوك الطالب في ضوء عوامل أعمق وأكثر تعقيدًا. فالمعلم الذي يستخدم التفكير الناقد لا يقع في فخ التعميمات، بل ينظر إلى كل متعلم بوصفه حالة فريدة تستحق أن تُفهم وتتطور عبر مسارات تعليمية مختلفة.
ومع ازدياد تعقيد الحياة المعاصرة، بات من الضروري أن يتبنّى التعليم رؤية أكثر شمولية للمتعلمين، رؤية تجمع بين السمات الشخصية والدافعية والقدرات المعرفية والسياق الاجتماعي. وهذا ما يجعل توظيف نظرية الشخصية داخل الصف خطوة جوهرية لصنع تعلم يتجاوز حدود المعرفة إلى بناء وعي وفهم ذاتي. كما يسهم هذا التوظيف في تعزيز مهارات القرن الحادي والعشرين، وعلى رأسها التفكير التأملي والمرونة الإدراكية والقدرة على حل المشكلات.
إن إدماج نظرية الشخصية في التعليم لا يعني تصنيف الطلاب أو وضعهم في قوالب ثابتة، بل يعني فهم أن لكل شخصية طريقتها الخاصة في التفاعل مع المعرفة، وأن نجاح التعليم يبدأ من احترام هذا الاختلاف، ومنح كل متعلم فرصته ليُظهر أفضل ما لديه. ومن خلال نظرة نقدية واعية، يصبح بإمكان المؤسسات التعليمية والمعلمين تصميم تجارب مختلفة تؤدي إلى تعلم أعمق وأكثر فاعلية وارتباطًا بحياة المتعلمين.
وهكذا يتبيّن أن نظرية الشخصية ليست مجرد إضافة معرفية إلى التعليم، بل هي مفتاح لفهم الإنسان داخل بيئته التعليمية، وممرٌّ لتعليم أكثر إنسانية وعمقًا وفاعلية. إنها رؤية تجعل من الصف مساحة حقيقية لنمو مختلف الشخصيات واكتشاف إمكاناتها، بعيدًا عن القوالب التقليدية التي لا تعترف بالفروق الفردية.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
12_مستقبل القيادة النسائيه في عالم متغير
بقلم الكاتبة : حنان سالم باناصر
في عالم يموج بالتحولات وتتصاعد فيه التحديات، يبرز مستقبل القيادة النسائية كمساحة واعدة تعيد تشكيل مفهوم القيادة بمنظور يستند إلى قيم راسخة وقدرة عالية على التكيف. فالإسلام قدّم منذ بداياته نموذجاً متوازناً لهذا الدور، من خلال شخصيات نسائية صنعت حضورها بالتأثير والحكمة، مثل السيدة خديجة رضي الله عنها التي أدارت تجارتها بثبات واقتدار وكانت سنداً للدعوة في لحظات التأسيس، والسيدة عائشة رضي الله عنها التي شكّلت مرجعاً علمياً فريداً استقى منه كبار الصحابة، فبقي أثرها العلمي متصلاً عبر الزمن. كما أن مبدأ الشورى الذي أرسته الآية الكريمة “وأمرهم شورى بينهم” يفتح أبواب المشاركة لصاحبات الرأي والعلم في شؤون المجتمع، فيما يعمّق وعد الاستخلاف مفهوم الدور الفاعل للمؤمنات العاملات في نهضة الأرض وعمارتها.
ومع تشابك المسؤوليات في عصر اليوم، تجد القيادة النسائية نفسها أمام تحديات تتطلب مزيجاً من المرونة والاتزان، مستندة إلى قيم تمنحها القدرة على مواجهة التحول دون فقدان البوصلة. فالمعادلة تبدأ من الاجتهاد في تحقيق التوازن بين الأدوار وفق مبدأ “لا يكلف الله نفساً إلا وسعها”، مروراً بالتمسك بالهوية في زمن العولمة، وصولاً إلى تقديم الرد العلمي المتزن على التصورات المغلوطة من خلال إبراز النماذج النسائية القيادية في تراثنا الإسلامي. ومن هنا، يصبح مستقبل القيادة النسائية ليس تقليداً لنماذج أخرى أو انكفاءً على الماضي، بل عودة ذكية ومؤصلة إلى الدور المتوازن الذي أراده الله للمرأة: قيادة تُبنى على بصيرة، وتجمع بين الحكمة والقوة، وتُسهم في بناء المجتمع دون أن تنفصل عن جذورها وقيمها
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
13_ حرامي معنوي!!
بقلم الكاتبة : نجلاء عمر بصفر
من هو الحرامي ؟
تدرون من هو الحرامي ؟ ياترى الحرامي هو فقط منْ يسرق مال ؟ أو مقتنيات مادية؟
تدرون انه في مقتنيات أخرى مهمة أهم من المال والتي لو ضاعت او أنسرقت منك لاتستطيع المواصلة في حياتك وإن كملت أتوقع لن يعود إليك توازنك !
هناك مقتنياتُ معنوية تأتي في المقام الأول والتي مهما تعددت الأرقام الاجتماعية تظل هي الأولى دائماً
فالحرامي هو منْ سرق منك راحة بالك! الحرامي هو منْ سرق منك ضحكتك وسعادتك وحتى ذكرياتك ! سرق سمعتك وسرق علاقاتك وبعثرها بعد مابنيتها سنين وبدون أي سبب سوى أنه عجز أن يكون مثلك ! فاشغل نفسه بك ! الحرامي هو منْ سرقَ مكانتك ومكانك .. هو منْ سرق النوم من عينك !
الحرامي هو من يتداري ويتستر بأنه يخاف الله ليواصل عمليات سرقاته الحرامي هو منْ سرق منك صحتك وبريق عيونك هو حرامي القيمة الجميلة .. حرامي الوقت والأيام الحلوة ..
انتبهوا منهم لاتسمحوا لأحد منهم بأن يدخل حياتكم تحت أي مسمى تراهم يبدون لطفاء ودودين لكنهم في الحقيقة سامين مخيفين .. خلوا بالكم !!!
عندهم أجهزة تقصي بشرية خطيرة يرسلونها يريدون معرفة أي شئ عنك فقط لأخذه منك حتى لو لمجرد السرقة هذا الصنف من الحرامية هم الأخطر والأكثر سمية فلننتبه منهم ولنكن متيقظين من ذاك الحرامي المعنوي !!وهو الأشد فتكاً وخطراً على العلاقات الإنسانية الاجتماعية !
من هنا نقول أن الحقوق ليست مادية فقط .. بل يوجد حقوقاً اخطر وأعمق لاتجد من يسدها سوى أصحابها وهي الحقوق المعنوية .
ودمتم بود
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
14_التفكير متعدد التخصصات .. سر الأفكار الكبيرة
بقلم : مي عليان العليان
في زمن تتقاطع فيه المعرفة وتتسارع فيه التغيرات، لم يعد الاعتماد على تخصص واحد كافيًا للتميّز أو لإيجاد حلول عميقة للمشكلات المعقدة التي نواجهها اليوم. إن التفكير متعدد التخصصات (Interdisciplinary Thinking) أصبح أحد أسرار النجاح في العصر الحديث، لأنه يوسّع أفق التفكير ويمنح صاحبه القدرة على الربط بين العلوم والمجالات المختلفة لصناعة أفكار غير مألوفة.
هذا النمط من التفكير ليس مجرد توجه فكري، بل أسلوب حياة في العمل والتعليم وصناعة القرار. فالمهندس حين يفهم في علم النفس يصمم منتجات تراعي تجربة الإنسان، والمربي الذي يقرأ في علم الاجتماع يصوغ برامج تعليمية أكثر عمقًا وتأثيرًا، والمستشار الذي يجمع بين علم الإدارة وعلم البيانات والتصميم قادر على خلق حلول أكثر إبداعًا واستدامة.
وقد أشار الكاتب ديفيد إبستين في كتابه Range إلى أن كثيرًا من القفزات الكبرى في التاريخ لم تكن نتيجة التخصص الدقيق، بل ثمرة عقول امتلكت مرونة فكرية وجرأة في الجمع بين مجالات متباعدة. ومن النماذج القريبة لنا، العالم أحمد زويل الذي جمع بين الفيزياء والكيمياء ليبتكر علم “كيمياء الفيمتو ثانية” ويحصد جائزة نوبل. وهكذا، يصبح التفكير متعدد التخصصات ليس مجرد مهارة أكاديمية، بل نهجًا يعيد تعريف طريقة عملنا وتعلمنا، ويصنع عقولًا ترى الروابط الخفية بين الأشياء، وتحوّلها إلى ابتكارات واقعية تُحدث فرقًا حقيقيًا في الحياة.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
15_أنت لست ذكيا!!
بقلم : أريج سامي الخياري
نظرية الذكاءات المتعددة
من الشائع لدى الكثيرين أن الشخص الذكي هو المتفوق في الدراسة أو في الرياضيات والأرقام ،
ولكن النماذج الناجحة من الواقع الحديث والقديم تُدلّل على عدم دقة هذا الإتجاه في التفكير، فمثلاً؛ (آينشتاين) أعظم علماء الفيزياء كان مدرسيه يصفونه بالغبي لتأخره في الكلام، (توماس أديسون ) الذي اضاء العالم واجهت والدته تحديات مع معلميه أثناء طفولته، (ستيف جوبز) مؤسس آبل الشركة العملاقة كان قد فُصل من كليته.
بعد صدور كتاب (أطر العقل) في ١٩٨٣م لصاحبه عالم النفس الامريكي(هوارد جاردنر) والذي أحدث صدىً عظيماً كان له تأثيره الإيجابي في نظرة الباحثين والمهتمين في المفهوم الجديد للذكاء، والذي يتركز في نقطة جوهرية، وهي أن الذكاءات متعددة ومختلفة، وأن كل شخص يتفوق على أقرانه في ذكاءٍ أو أكثر، وأن العقل يميل تلقائياً الى واحدة أو أكثر من هذه الأنواع من الذكاءات، وسمى نظريته (الذكاءات المتعددة)
ووضع جاردنر ثمانية تقسيمات للذكاءات سنوجزها باختصار ونعطي أمثلة لأبرز نقاط التمييز والتفوق في كل قسمٍ منها :
١.الذكاء اللفظي اللغوي يتميز بقدرات عالية في (الشعر، الكتابة ، التدريس، الخطابة ، التدريب، الخطاب السياسي..)
٢.الذكاء المنطقي الرياضي ويتميز بقدرات عالية في (الرياضيات، الأرقام،البرمجة، المحاسبة، البرمجة، تحليل المشكلات ،التحليل المالي،المحاماه .. )
٣.الذكاء الاجتماعي (العلاقات، التعامل مع مشاعر الآخرين، معلمون،سياسيون، علماء نفس، تجار)
٤.الذكاء الصوتي النغمي الايقاعي ( موسيقي، ناقد، مؤلف، منشد،مؤذن )
٥.الذكاء الحركي الجسدي (العمل اليدوي الحرفي، لاعب رياضي، جراح، طبيب أسنان، ميكانيكي، راقص، ممثل)
٦.الذكاء البصري المكاني (فنان تشكيلي، مصمم ديكورات، مهندس معماري، رسام، مخترع)
٧.الذكاء البيئي (جيولوجي، عالم طبيعة، باحث في النباتات التربه، البحار، الأعشاب، الحيوانات)
٨.الذكاء الذاتي المشاعري (يستغل نقاط قوته، يعرف نقاط ضعفه ويطورها، القدرة على التحفيز)
وفي عام 2011 م أضاف العالم جاردنر نوعين من الذكاءات وهي:
٩.الذكاء العاطفي (قدرة عالية على فهم أحاسيس الآخرين والتأثير فيهم )
١٠.الذكاء الوجداني (قدرة عالية على فهم بواطن الأفعال وغرض الاشخاص)
-كل شخص لديه جميع أنواع الذكاءات المتعددة بدرجات متفاوتة.
-كل شخص لديه تركيبه من الذكاءات المتعددة تختلف من شخص لآخر.
-ليس بالضرورة أن يكون الذكاء وراثياً، فهناك عدة عوامل تتحكم كقدرة الفرد العقلية واستعداده للتطور.
-يتطور الذكاء بالثاثيرات البيئية المحيطة به، وأيضاً الممارسة والتدرب، والمساندة والتشجيع، وقد يتطور بفعل الاستعداد الوراثي.
ولعلنا سنتحدث في المقالات القادمة عن كيفية توجيه الذكاءات عند أطفالنا وأبنائنا لما يناسب ذكاءاتهم، ودور ذلك في نجاحهم ومستقبلهم.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
16_نعم أقوياء..نقولها دون خجل
أميرة خطيري
إختلف مفهوم القوة بزمننا هذا حيث أصبحت تكمن في الفردية والشتت ، وليس في الإتحاد والتضامن مع بعضنا البعض ، وأن نكتفي بذاتنا عن جميع من حولنا .
فأصبحنا نعيش في الآونة الأخيرة بمجتمعنا شعارات حديثة وعبارات قاتلة للإنسانية من وجهة نظري ، تلك التي نسمعها ونشاهدها من بعض مدربي تطوير الذات ومشاهير السوشل ميديا والتي تقول أنتم ،أنتن أقوياء دون الحاجة للآخرين ،إكتفوا بذاتكم ، وبرأيكم وفِكركم ومعيشتكم ، وتستطيعوا أن تكونوا بمفردكم ، ولستم بحاجة لأحد بجانبكم
والتي حفظها وبدأ بتنفيذها بعض أبناء جيلنا الحديث وأصبحوا في إستغناء تام عن أهلهم وأقاربهم ،
ومن المؤسف أن نجد بعض الفتيات اليوم بمجتمعنا الإسلامي ، بدأن ينفردن للعيش بمنزلهم الخاص رغم أنهن لم يتزوجن ليستقلن بذاتهن ومع صديقاتهن وبكل إرتياح دون الشعور بالغربة من كونها ليست في كنف والديها أو تنتمي لبيت الطفولة وذكرياته الجميلة مع أفراد أسرتها التي لاتُعوض .
لا نُنكِر أمراً. وهو أن نسمع للآخرين “أهل العلم والمعرفة والثقة ” ونستفيد من تجاربهم ، ولا أن نسمع للمشاهير وعامة الناس بمختلف بلدانهم ونتبعهم دون وعي ، فلكل مجتمع له ثقافته وظروفه وعاداته المناسبة له .
والحقيقة : نحن أقوياء أولاً بمعية خالقنا الله هذا أمر لاشك فيه ، ولكن لانُنكر إحتياجنا لبعضا البعض مهما أمتلكنا من قوة المال أو السلطة أو الصحة أو المكانة الاجتماعية .
وتكمن أهم بنود السعادة في تجمع البشر بعضهم البعض وليس في بقاءهم وحيدين ، ولا ننسى أن هناك مرض يسمى بالتوحد ، وهذا إثبات على أن الوحدة بالمطلق عِلة وليس أمر مُحبب أو صحي للنفس البشرية ، وعليه يجب التداوي منه ،
كما أن عند العقوبة المشددة للمجرم أن يُسجن بمفرده ، إضافة إن لإنتشار الإكتئاب والأمراض النفسية اليوم والتي من أكبر أسبابهما الوحدة والبعد عن الأهل وعدم مشاركتهم أوقاتهم ..فكل شي في هذه الحياة يرمز للثنائيات
فمثلا : نجد في المطاعم طاولة ذات المقعدان أو الثلاثة او …الخ ، ولا نجد طاولة بمقعد واحد ، وكثير من آيات الله في الكون نجدها تتمثل لنا بهيئة الثنائي وليس الفردي .
كالشمس والقمر ، الليل والنهار ، سماء وأرض ، وفي أنفسنا لوجدنا أجسادنا خُلق كل شي فيها إثنين يدآن إثنين ورجلان وعينان وأذنان وشفتان ..الخ
وقد أخبرنا نبينا وشفيعنا سيدنا محمد عليه السلام بذلك في الحديث الشريف بالنهي عن بعض السلوكيات الفردية ك المبيت والسفر بمفردنا ” لو يعلم الناس مافي الوحدة ماأعلمُ ، ماسار راكب بليلٍ وحده “.
وفي حديث آخر يحُثنا فيه على التكاتف والتآلف المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ، وشبّك بين أصابعه .
ومن الجميل والحسن ، العزلة لبعض الوقت للتأمل ومحاسبة النفس ولصفو الذهن ، فذلك مطلب مهم لبقاء العقل والروح في صحة وسلام .
وبعد كل هذا نقولها وبصوتٍ عالٍ لكل أهلنا أو من تربطنا بهم صلة قرآبة أو صدآقة
نعم نحن أقوياء ، وبكم نكون أقوى ونحتاجكم بجانبنا ، ولتعلموا جيداً أن إحتياجنا لبعضا البعض ليس ضعفاً ، بل قوة عظيمة ومن الفطِرة السليمة
وننتظر منكم دوماً . كلمة . إبتسامة . نظرة . دعاء .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
17_خير الناس.. من جعل الاحترام وقود إنجازه
د: عبد المعتني المزروعي
الموظف يقضي جزءًا كبيرًا من يومه في عمله أكثر مما يقضيه مع أسرته ومجتمعه، ومن هنا يصبح الاحترام والتقدير بين الزملاء ركيزة للاستقرار وضمانًا لبيئة عمل صحية ترفع مستوى الإنتاجية. أما إذا غاب الاحترام، تحولت بيئة العمل إلى ساحة مشحونة بالتوتر وطاردة للإبداع. وقد لخّص النبي ﷺ هذا المبدأ بقوله:” “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا” متفق عليه، وهي قاعدة ذهبية تصلح أن تكون نظامًا تنظيميًا قبل أن تكون قيمة أخلاقي.
عندما يتعامل زملاء العمل ضمن أطار التقدير والاحترام يشعر الموظف بأن صوته مسموع وجهده مقدّر، ينعكس ذلك مباشرة على عطائه وتفاعله الإيجابي مع الفريق. الموظف المُحتَرَم يميل إلى بذل جهد إضافي، ويظهر إبداعه في تقديم حلول جديدة، بينما الموظف المُهمَل يتراجع عطاؤه تدريجيًا حتى وإن كان حاضرًا جسديًا. ومن منظور علم النفس التنظيمي، فالاحترام يُعدّ من المحفزات الجوهرية غير المادية التي ترفع الرضا الوظيفي وتُحسّن الأداء المؤسسي ويحرّك عجلة الإنتاج ويجعل الفريق يعمل بروح واحدة.
لكن واقع العمل اليومي لا يخلو من أنماط مختلفة من الشخصيات، من أبرزها الشخصية النرجسية. هذا النوع يعتقد أنه أعلم من الجميع، ويعتبر نفسه المرجع الأول والأخير، في أي نقاش تجده يفرض رأيه في الاجتماعات، يميل إلى التقليل من جهود الآخرين أو تجاهلها، ويحرص أن يكون نجم المشهد حتى لو على حساب الفريق، يحب يحتكر المعرفة والمعلومات المهمة لتأكيد تفوقه. يتأثر بسرعة بأي نقد، حتى لو كان بسيطًا أو بنّاءً. هذه الشخصية إذا تُرك بلا تعامل مهني وحزم، قد يتسبب في شلّ حركة الفريق وإحباط الآخرين، بل ربما يقود إلى انهيار كامل في بيئة العمل بسبب تفكك العلاقات وفقدان روح التعاون.
أن التعامل مع الشخصية النرجسية يتطلب إدارة تمتع بقدر عالي من الحكمة والذكاء العاطفي، وهنا بعض الممارسات العملية:
إعطاؤه التقدير المناسب لإنجازاته، لكن بدون تملق أو مبالغة.
وضع حدود واضحة في الصلاحيات، بحيث يعرف أن تجاوزها غير مقبول.
توجيه الحوار دائمًا نحو الهدف الجماعي لا الشخصي، حتى لا ينحصر النقاش في ذاته.
تفعيل أنظمة وسياسات العمل الرسمية عند الحاجة، حتى لا يتحول الخلاف إلى صراع شخصي.
منع احتكار المعلومات أو الملفات لتعزيز شعوره بأن الإنجاز جماعي ولا يتوقف على فرد واحد.
تطبيق بعضا من هذه الممارسات بالإمكان احتواء هذه الشخصية النرجسية بدل أن يتحكم هو في المشهد. ولو تم تجاهل هذا التعامل، فستتحول بيئة العمل إلى ساحة صراع، وسيكون الخاسر الأكبر هي المؤسسة نفسها. الاحترام والتقدير بين الزملاء هو أساس بيئة عمل صحية ومنتجة رغم اختلاف الشخصيات. التعامل مع الأنماط الصعبة كالنرجسية لا يكون بالإقصاء بل بالإدارة الحكيمة لتحويل التباين إلى طاقة بنّاءة. الاحترام هو وقود الإنجاز الذي يدفع المؤسسة للأمام، وقد لخّص النبي ﷺ هذا المبدأ بقوله:” خير الناس أنفعهم للناس”، ليكون منهج عمل قبل أن يكون وصية.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
18_ اللقاء المنتظر
بقلم الكاتبة: مستوره الزهراني
في حضرة المساء وزحمة الأشياء عينان تحدقان في السماء صمت يداعب القمر والأضواء، يتكيء وجهها على كفيها، نسمة هواء لطيفه، سرقت منها لحظه تمعن، يالله هبني مساااااءآ حالمآ، تكمل ظفائرها وعيناها بالسماء، ذاك الحلم الذي كان والذي ضاع مابين زحمة المشاعر، كمُ من الآهات وتفاصيل عميقه، مساء الخير ياأنا، تغلق النافذه، وتبدأ في سرد أول تفاصيل اللقاء، من السطر الأول ضاعت الكلمات ومزقت الورقه، فبعض الحروف لااااتستحق العناء، تحمل كوب قهوتها رغم أنها لااااتحب شرب القهوه قبل النوم ولكن المزاج يريد ذلك، لعل مابداخله يستكن ويرتاح، تجمع أوراقها الممزقه، ياليت بالإمكان جمع ماكان، حالي كحال ساعي البريد الذي يجوب الطرقات كي يوصل كلمات مكتوبه ولكنها لاتصل، رغم ذلك مازال يبحث عن الطرقات كي يلقي الرسائل ومن ثم تتوه تلك الرسائل وتضيع خلف الطرقات، عناء وجهد ضائع، تحمل مافي القلب وتتجه مره أخرى نحو النافذه، أضواء الشوارع الصاخبه تجعلها تعود للوراء، وترغمها لتعود لعزلتها الهادئه، رشة عطر تحي المكان من جديد، صوت بداخلها يبني لها أمل وان مارحل لن يعود وإن كانت الذكرى خالده بداخلها ليس أمامها سوى أن تفك القيود وتحرر المشاعر، هناك حياه جديده تنتظرها ماعليها سوى السهر قرب النافذه والرقص على أوتار السهر والغناء بصوت الدفا”حلمي بات قريبآ، سأجهز كفوفي لإستقباله، سأعانقه عناقآ طويلآ وسأخبره كم من الوقت مضى وأنا أنتظر.
بدأ العد وبدأت ساعات الليل تغيب سأنام على موعد اللقاء، لكل من له موعد مع حلمه توسد وسادتك وأخبرها بحلمك الجميل وأرسم معها معالم حلمك وحدد كيف تريد أن يكون اللقاء، ضع في بالك مادمت تسعى ستصل
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
19_حديثٌ يشبه الحياة
بقلم الكاتبة: د.سوسن توفيق حنفي
سلسلة “على عتبة العابرين “
“تكلّم حتى أراك.”
سقراط
لأنّ الكلمة ليست صوتًا عابرًا في الهواء،
بل مرآةٌ تكشف ما تخفيه الصدور،
ومفتاحٌ يفتح خزائن العقول والقلوب معًا.
فكلّ حديثٍ صادق هو نافذة على الداخل،
وكلّ بوحٍ نابع من القلب هو بداية تعافٍ لا تشبه أي علاج.
في قسم الطوارئ، ليست الأجهزة وحدها التي تُعيد النبض،
وليست العقاقير وحدها التي تشفي.
أحيانًا، تكون الكلمة هي المصل،
ويكون الحديث هو الإنعاش الحقيقي للروح.
في هذا المكان المزدحم بالوجع، المليء بالأصوات والتأوهات،
تعلمت أن بعض الأرواح لا تحتاج إلى دواء ولا إلى وصفة،
بل إلى من يُصغي، من يُنصت بصدقٍ دون استعجال.
فثمة حديث صادق يوازي مفعول الدواء،
ولغةٌ تُنقذ كما تُنقذ الأجهزة الطبية، لكنها تنقذ أصل الروح من الداخل.
⸻
حين يكون الكلام علاجًا
رأيتُ مرضى بنوبات هلعٍ تزلزل الجسد،
يتصبّبون عرقًا، تتسارع أنفاسهم كأنهم يهربون من خوفٍ لا يُرى.
يُعطَون المهدئات فلا تهدأ قلوبهم،
لكن ما إن يبدأ الحديث معهم،
حديثٌ بسيط، دافئ، يحمل بين كلماته طمأنينةً أكثر من أي عقار،
حتى ترى كيف يعود التنفس إلى انتظامه،
وكيف تخفّ ارتجافة اليد، وكيف تهدأ العيون بعد اضطرابها.
الكلمة هنا ليست “نصيحة طبية”، بل يدٌ تُمسك بالروح قبل الجسد.
ثم هناك من يخافون التشخيص،
يجلسون في صمتٍ وعيونهم معلّقة بزاويةٍ في الفراغ،
يخشون أن يُقال لهم ما يخشونه،
يُقاتلون فكرة النهاية قبل أن تبدأ.
تقترب منهم فتدرك أن العلاج ليس في النتيجة فقط بل في الحوار،
في أن تُشركهم في الفهم، في أن تمنحهم منطقًا يبدّد الخوف،
ونبرةً تقول لهم إنهم لن يواجهوا المجهول وحدهم.
هؤلاء لا يحتاجون وعدًا، بل لغةً دافئة ترويهم بالرجاء،
وإن لم تغيّر الواقع، فهي تغيّر طريقة احتماله.
وفي الطوارئ نفسها، ترى من جاء لا يشتكي من ألمٍ في الجسد، بل من ضجيجٍ في الحياة.
تلك الفئة التي تبحث في الطبيب عن مستمع، في السؤال عن احتواء،
في “كيف حالك اليوم؟” عن سببٍ للبقاء.
ورغم أن الطوارئ عالمٌ لا يعرف البطء،
إلا أنها تعلّمنا أن هناك لحظاتٍ تستحق الاستفاضة،
أن الحديث لا يناقض المهنية، بل يُكملها.
فالكلمة الصادقة قد تفعل في النفس ما لا تفعله أقوى العقاقير.
⸻
قصة الصداع الذي شُفي بالكلام
أذكر شابًا جاء ذات مساءٍ يئنّ من صداعٍ لا يفارقه منذ شهور.
حمل معه ملفًا مليئًا بالتقارير، وأقراصًا من الأدوية، وعينين مثقلتين بالهواجس.
قال بثقةٍ حزينة:
“أنا متأكد أن في رأسي مرضًا لم يُكتشف بعد… لقد أنهكني الصداع حتى لم أعد أعيش.”
فحصتُ كل شيء: التحاليل، الأشعة، نتائج الرنين، جميعها سليمة.
لكن صوته كان يرتجف كما يرتجف من ينتظر حكمًا بالإعدام.
جلستُ معه، شرحتُ له بالتفصيل كيف تعمل الأعصاب،
وكيف أن الصداع المزمن أحيانًا نتيجة توترٍ متراكم،
وكيف أن القلق نفسه قد يخلق الألم الذي يخشاه.
تحدثنا طويلًا، لا بصفتي طبيبة فقط، بل إنسانة تفهم أن الخوف يُتعب الجسد كما المرض.
شيئًا فشيئًا، رأيت عينيه تبرقان بشيءٍ يشبه الراحة.
ضحك أخيرًا، وقال:
“غريب… لم أشعر بخفّة كهذه منذ شهور.”
ثم خرج من الطوارئ بلا دواء، فقط بكلمات أزاحت عن رأسه ثِقلَ الهواجس.
ازددت يقينًا أن بعض الألم لا يُشفى بالمسكنات، بل بالحديث الصادق الذي يُعيد ترتيب الفوضى داخلنا.
⸻
الحديث خارج الطوارئ
أفكر كثيرًا في قيمة الحديث في عموم الحياة.
فليس في الطوارئ وحدها يكون للكلام أثرٌ شافٍ،
بل في كل تفاصيل الوجود، في كل علاقةٍ صادقة.
الحديث مع الحبيب معجزة صغيرة لا يفهمها إلا من ذاقها.
حديث المحبين لا يخضع لقوانين المنطق،
قد يتحدثان عن اللاشيء، عن تفاصيل لا تهمّ أحدًا،
لكنها في قاموسهم كلّ شيء.
حديثهما لغةٌ لا تُترجم،
نَفَسٌ يُجيب عن سؤالٍ لم يُطرح،
وصمتٌ يقول ما لا يقوله الكلام.
كلمةٌ منه قادرة على إحياء يومٍ بأكمله،
ونبرةٌ دافئة منه تشفي أكثر من ألف دواء.
في حضرة الحب، حتى اللامعقول يبدو معقولًا،
وحتى السكون يتحول إلى حوارٍ خفيٍّ تُدركه الأرواح قبل الأذن.
الحديث بين المحبين لا يُقاس بالمنطق، بل بالنبض.
أما الفضفضة للصديق، فهي علاجٌ من نوعٍ آخر.
هي مساحة نلقي فيها أثقالنا دون خوفٍ من الحكم،
ونخرج منها أخفّ، وكأن شيئًا لم يكن.
إنها جلسة استراحةٍ للوجدان،
يتعافى فيها المزاج وتُشفى فيها الخواطر المرهقة.
⸻
الحديث مع الوالدين
لكن أعظم الأحاديث -وأصدقها أثرًا- هو الحديث مع الوالدين.
ففي كلماتهما طمأنينةٌ لا تشبه أي دواء،
وفي نبراتهما حياةٌ أخرى، كأن القلب يُعاد تشغيله على تردّدٍ من حنان.
حين تتحدث مع أمك، تشعر أن صوتها يُنظّفك من الغبار العالق في الروح.
في حديثها عافية، وفي دعائها بركة لا تُرى.
دعاؤها توفيقٌ يسبق الخطى،
ونبرتها دفءٌ يُعيدك طفلًا مهما كبرت.
حديث الأب، على الجهة الأخرى، يُشبه البوصلة التي لا تُخطئ.
يختصر عليك دروس الحياة في جملةٍ أو وصيةٍ عابرة،
وكأنه يرى المستقبل من زاويةٍ أعلى.
كلماته لا تُقال لمجرد النصح، بل لتسندك حين تسقط دون أن تراها قريبة.
الحديث معهما ليس ترفًا، بل أمانٌ روحيّ،
من فقده أدرك كم كانت الحياة آمنة حين كانا يسمعان صوته.
نغمة والديك ليست مجرد صوت؛ إنها إشارة حياة.
دعاؤهما يفتح الأبواب المغلقة دون أن تدري،
وتوجيههما يُعيدك للطريق حين تضلّك الخطى.
كم مرة كنا نحمل همًّا ثقيلاً، فنتحدث إليهما فنخرج خفيفين،
وكم من ارتباكٍ زال بكلمةٍ منهما،
وكم من قسوةٍ تلاشت حين قالا: الله معك يا بُني.
الحديث معهما امتداد للحياة نفسها،
وبقدر ما تقترب منهما، تشعر أنك تقترب من نفسك الأولى،
من جذورك التي لا تذبل مهما ابتعدت.
⸻
فنّ الموازنة في الحديث
ومع ذلك، يبقى فنّ الكلام قائمًا على الموازنة.
فالإفراط في القول قد يُفقد المعنى بريقه،
كما أن الإسهاب في غير موضعه يُطفئ وهج الفكرة،
ويحوّل الحوار إلى ضجيجٍ لا أثر له.
إنّ اختيار الكلمات مهارة تشبه وصف الدواء:
القليل منها قد يشفي، والكثير بلا موضعٍ قد يرهق المستمع والروح معًا،
بل قد يكون مثل الجرعة الزائدة الضارة.
فالحكمة ليست في كثرة الكلام، بل في دقّته وموضعه،
وفي معرفة متى تكون الكلمة دواءً، ومتى يكون الصمت أبلغ.
⸻
الحديث مع الله
وأعلى مراتب الحديث، وأطهرها أثرًا، هو الحديث مع الله.
حديثٌ لا يحتاج إلى لغة، ولا تُقاس كلماته بعدد،
حديثٌ بين روحٍ منهكة وربٍّ كريم يسمع الهمس قبل النطق.
هو الحوار الذي يُعيدك إليك، ثم يرفعك فوق كل ما أثقلك.
في لحظة الدعاء، في ركعة السكون، في نجوى منتصف الليل،
تشعر أن الله وحده يفهمك بلا شرح،
ويُطمئنك بلا كلمات، ويُجيبك أحيانًا بصمتٍ يسكن القلب قبل السمع.
ذاك الحديث الذي لا يرفضه وقت، ولا يُؤجل،
هو العلاج الذي لا يُكتب في وصفةٍ طبية،
ولا يوصي به أحد، بل تولد إليه فطرة القلب حين يضيق العالم.
به تُشفى النفوس قبل الأجساد،
وبه يُستبدل الخوف يقينًا، والضياع سكينة.
ذلك الحديث هو الأمان المطلق الذي لا ينتهي.
⸻
حين تتكلم الأرواح
كلّ هذه الأحاديث، في الطوارئ وفي الحياة،
تؤكد لي أن الكلمة ليست مجرد صوتٍ، بل نبضٌ يُحسّ ويُجسّ.
هي التي تُعيدنا إلى أنفسنا، وتُرمّم ما انكسر فينا دون جراحةٍ ولا وصفة.
قد تكون الكلمة دعاءً، أو ابتسامة، أو وعدًا صادقًا،
لكنها حين تُقال من القلب، تُحدث فينا ما لا يُرى في الأشعة ولا يُكتب في التقارير.
ولهذا، رغم أنني لستُ من أهل الإطالة،
إلا أنني أُطيل الحديث حين يكون حياة.
أُطيله لأن في داخلي يقينًا بأن الدواء لا يسكن الصيدلية فقط،
بل أحيانًا في حوارٍ يوقظ فينا الطمأنينة.
⸻
إني أطيلُ حديثَنا إذ يبتدي
وأنا بطبعي لا أطيلُ كلامي
أستنطقُ المعنى بآخَرَ بعدَهُ
وأزيدُ كي أروي ظمأَ أيامي
فلتقبلي عُذرًا لِمَن في جوفِهِ
قلبٌ يُقَلَّبُ هائمٌ كهيامي
خيرُ الكلامِ أقَلُّهُ في مَذهبي
إلا حديثُكِ، ملجئي وسلامي.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
20_نساؤنا والاستحقاق
.د. ابتهال بنت حسن عزوز
كنتُ أظنُّ أنّ نجمَ “رفعِ الاستحقاق” قد توارى وخمد بعد توهّجه، فإذا به يبزغ مرةً أخرى في أفقِ المجالسِ الورديةِ الناعمة.
ولم يزلِ الاستحقاقُ يجلجلُ في الآذان، باطنُهُ – أحيانًا – فيه التخبيب، وظاهرُهُ من قِبَلهِ النصح.
ذلك أنّ عدمَ فهمِ حقيقةِ رفعِ الاستحقاقِ التي أرادها أربابُها بَداءةً، أدّى إلى إطلاقِ المصطلحِ في كلِّ مقامٍ بلا إدراك.
فيُقال للزوجة:
ارفعي استحقاقَكِ واطلبي من زوجكِ أن يوفّرَ لكِ أثاثًا أو مجوهراتٍ… أو… أو… من أغلى مكان،
ولا ترضي بأيِّ شيءٍ فاستحقاقُكِ عالٍ… وقد صبرتِ بما يكفي، وهل فلانةُ أفضلُ منكِ؟!!
ثم تنهالُ المقارناتُ المتبوعةُ بأفخمِ المقترحات.
وما يفعلُ الزوجُ المسكينُ إزاءَ تلك المطالبِ المكلفةِ إن لم يكن مقتدرًا؟!
فهو إمّا أن يغوصَ في دوّامةِ الديون، أو يغرقَ في مستنقعِ البطاقاتِ البنكيةِ فلا يكادُ ينجو!
وينقلبُ البيتُ الآمنُ المطمئنُّ ساحةَ نزالٍ وعراك، لأنّ سيّدتَهُ أرادت رفعَ استحقاقِها عملًا بنصيحةٍ خائبةٍ في ليلةٍ حالكة!
وكم من بيوتٍ هُدّمت، وأُسرٍ تفرّقت، وبشرارةِ كلمةٍ كهذه.
فيا أيتها الزوجةُ المؤمنةُ بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم… ما هكذا يكون رفعُ الاستحقاق!
ومن نصحتكِ به على نحوِ ما سبق لا تعرفُ أحوالَ بيتكِ المستور، بل ربما رمتْ بكلمة: “ارفعي استحقاقكِ”؛ لأنّها حفظتها وأعجبتها وربما أرادت أن (تتعنتر) بها، شاهرةً سيوفَ ثقافتها عليكِ.
إنّ من رفعِكِ لاستحقاقِكِ:
تقديرُكِ لنفسِكِ أوّلًا، القيامُ بمسؤولياتِكِ بحبٍّ وإخلاصٍ وصبر، انشغالُكِ بالنافعِ وإعراضُكِ عن التافه، عدمُ قبولِ الإهانةِ والأذى من أيِّ مخلوق، طلبُكِ لحقوقِكِ بوضوحٍ وتقديرٍ للحال… إلى غيرِ ذلك.
واعلمي أنَّ البيوتَ إنما تُبنى على الاحترام، فلَبِنَةٌ من تغافلٍ ولَبِنَةٌ من صبرٍ؛ لتكتنفَها المودّةُ وتغشاها الرحمة.
إنّه لمّا طغتِ المادياتُ المعاصرةُ على الناس، تعامَوا عن المثلِ والقيم، حتى إنّ رضا الآخرين صار أهمَّ من رضا النفسِ عن ذاتها، فإذا بها تسعى وتهرع من أجلِ رضا الناسِ وليست بمدركته أبدًا.
وواللهِ لو رفعنا الاستحقاقَ أكثرَ وأكثرَ إلى أسمى مدى، لما ابتغينا إلا الجنة!
“ألا إنّ سلعةَ الله غالية، ألا إنّ سلعةَ الله هي الجنة” “حديثٌ صحيحٌ أخرجه الترمذي”



