مقالات

حين يصبح التغيير شجاعة لا خيارًا

بقلم الكاتبة: حنان سالم باناصر

بقلم الكاتبة: حنان سالم باناصر

ليس كل من يتحدث عن التغيير مستعدًا له، فالتغيير الحقيقي لا يبدأ بالخطط ولا بالشعارات، بل يبدأ من الجرأة على مغادرة المألوف، ومواجهة الأسئلة الصعبة، والاعتراف بأن ما أوصلنا إلى هنا قد لا يكون كافيًا للوصول إلى الغد. في عالم يتبدّل بوتيرة متسارعة، لم يعد الثبات علامة قوة، بل أصبح أحيانًا أول مؤشرات التراجع.
أخطر ما يواجه المؤسسات اليوم ليس التغيير ذاته، بل الخوف العميق منه. ذلك الخوف الذي يتخفّى أحيانًا في صورة حرص على الاستقرار، وأحيانًا أخرى في شكل أنظمة جامدة تُغلّف الجمود باسم التنظيم، وتؤجّل التحول بحجة التوقيت غير المناسب.
من وجهة نظري، القيادة التحويلية لا تُقاس بقدرتها على إدارة الواقع كما هو، بل بقدرتها على إعادة تشكيله. فالقائد الذي يكتفي بحماية الوضع القائم، قد ينجح مؤقتًا في تفادي الاضطراب، لكنه في الحقيقة يؤجل مواجهة حتمية مع المستقبل. المؤسسات لا تتراجع فجأة، بل تتآكل بصمت حين تتوقف عن التعلّم والمراجعة والتجديد.
ثقافة التغيير لا تُبنى بقرارات عليا ولا تُفرض بتعاميم رسمية، بل تُزرع حين يشعر العاملون بالأمان النفسي، ويوقنون أن أفكارهم مسموعة، وأن الخطأ ليس وصمة بل خطوة في طريق التعلّم. حينها فقط يتحول الفضول إلى طاقة، والمبادرة إلى سلوك، والتطوير إلى عادة يومية لا شعار موسمي.
ما أراه بوضوح أن مقاومة التغيير غالبًا لا تأتي من ضعف الكفاءة، بل من الخوف من المجهول. وهنا يتجلى الدور الحقيقي للقائد، لا في كسر هذا الخوف، بل في احتوائه وتحويله إلى حافز، عبر وضوح الرؤية، وصدق التواصل، وإشراك الجميع في رسم ملامح المستقبل. فالتغيير الذي يُصنع مع الناس، لا يُقاوَم منهم.
وعندما تنجح المؤسسة في غرس ثقافة تحب التغيير، تصبح أكثر وعيًا بذاتها، وأسرع استجابة لمتغيرات بيئتها، وأكثر قدرة على تحويل التحديات إلى فرص للنمو. عندها لا يعود التغيير تهديدًا للاستقرار، بل ضمانًا لاستمراره.
في اعتقادي، أعظم ما يمكن أن يتركه القائد التحويلي هو ثقافة لا تخشى التحول، ولا تتوقف عند إنجاز، بل ترى في كل مرحلة نهاية وبداية في آن واحد. فالمؤسسات التي تحب التغيير، لا تخاف المستقبل… لأنها تصنعه.

 

من الابتكار إلى الريادة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
💬