مقالات

سلوكك .. هو القرار القيادي الأقوى

بقلم الكاتبة : حنان سالم باناصر

بقلم الكاتبة : حنان سالم باناصر

هناك لغة لا تحتاج إلى شرح طويل ولا إلى برامج تدريبية ولا إلى شعارات تُرفع في الاجتماعات؛ لغة يفهمها الجميع ويتقنها القادة الحقيقيون عبر العصور… إنها لغة القدوة. فالكلمات مهما بلغت بلاغتها تظل عملة رخيصة في سوق القيادة إذا لم تُترجم إلى سلوك واضح، بينما الأفعال وحدها هي الذهب الخالص الذي يصنع أثر القائد وهيبته. كم من قائد تحدث عن قيمة الالتزام وهو آخر من يحضر؟ وكم من مدير طالب بالشفافية وهو يخفي أخطاءه؟ وكم مرة رُفعت شعارات عن روح الفريق بينما ذهبت المكافآت لأفراد محددين دون الآخرين؟ الحقيقة بسيطة: الكلمات تذهب، أما الأفعال فتبقى.

القائد الحقيقي يبدأ بنفسه قبل أن يطالب غيره. يتعامل مع الالتزام باعتباره جزءًا من شخصيته المهنية، يحترم الوقت، ينجز أعماله في موعدها، ويلتزم بالقواعد دون حاجة لتذكير. ومع الوقت يتحول سلوكه إلى ثقافة يسير عليها الفريق كله بشكل طبيعي. والنزاهة بالنسبة له ليست شعارًا يرفعه، بل ممارسة يومية؛ يعترف بخطئه قبل أن يطالب الآخرين بالاعتراف، ويتعامل بشفافية حتى عندما تكون الحقيقة مؤلمة، فيكتسب احترامًا عميقًا لا يُصنع بالكلام.

والقائد الذي يريد أن يعلّم، يبدأ بالتعلّم. لا يتردد في سؤال من حوله عندما يجهل، ويحضر الدورات التطويرية، ويملك الشجاعة ليقول: “لا أعرف”. ففي اللحظة التي يعترف فيها بجهله بثقة، تبدأ قيادته الحقيقية. كما أنه لا يكتفي بتطوير فريقه، بل يجعل من نفسه نموذجًا للنمو المستمر؛ يجرّب الجديد، يكتسب مهارات مختلفة، ويجعل تطوره الشخصي رسالة غير منطوقة تشجّع فريقه على التطوير. فكلما رأى الفريق قائدًا ينمو، شعر برغبة فطرية في السير على خطاه.

فالقيادة الحقيقية لا تُقاس بعدد الأوامر التي يصدرها القائد، ولا بعدد الاجتماعات التي يعقدها، بل تُقاس بقدرته على أن يكون مرآة للقيم التي ينادي بها. وعندما يدرك القائد أن كل خطوة يخطوها تُقرأ، وكل قرار يتخذه يُترجم، وكل تصرف يصدر عنه يصنع ثقافة كاملة من خلفه… عندها فقط يعرف معنى القيادة. ليست القدوة اختيارًا، بل مسؤولية. ليست دورًا إداريًا، بل رسالة. ومن لا يستطيع أن يقود بسلوكه، لن يقوده كلامه مهما بلغ جماله. فالأثر الحقيقي لا يتركه صوت القائد… بل أثر خطاه.

 

تحليل الأعمال ..البوصلة الخفية لقيادة ناجحة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى