مقالات

زيارة القبور 

بقلم :  حسن بن محمد منصور مخزم. الدغريري 

بقلم :  حسن بن محمد منصور مخزم. الدغريري 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله ، وصحبه ، ثمَّ أمَّا بعد :      

أخي القارئ الكريم : لقد عني الإسلام بزيارة قبور الموتى ، كما عني بزيارة الأحياء ، وهذا يدل على عظمة الإسلام ، وبيان ما للموتى من حقوق على إخوانهم الأحياء ، ومن ذلكم زيارة قبورهم ، للدعاء لهم ، والاعتبار بمصيرهم ، وأنَّ الحيَّ لا بدَّ أن يلحق بهم يوماً من الدهر ، وصدق الله تعالى إذ يقول : ( كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ ) ( آل عمران : 185 ) .

وإنَّ زيارة القبور في شريعة الإسلام تنقسم إلى أربعة أقسام :

1-زيارتها لحفرها ، وتنظيفها من كل ما هو مؤذٍ ، وإصلاح القبور القديمة ، والحديثة منها ، وتوفير ما يلزم لها من أمورٍ مباحة يؤجر فاعلها عليها ، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً .

2-زيارة القبور للسلام على الموتى ، والدعاء لهم ، والترحم عليهم ، والاتعاظ بوفاتهم ، وأنَّ الدنيا دار ممرِّ ؛ لا دار مقرٍّ ، وأنَّها دار الغرور ، فزيارة القبور بهذه النية تعتبر زيارةٌ شرعية سنيةٌ ؛ رغب الإسلام فيها ؛ وفي حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه : ( أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ كانَ إذا أتى على المقابِرِ قالَ : السَّلامُ عليْكم أَهلَ الدِّيارِ منَ المؤمنينَ والمسلمينَ ؛ وإنَّا إن شاءَ اللَّهُ بِكم لاحِقونَ ؛ أنتم لنا فرَطٌ ، ونحنُ لَكم تبَعٌ ؛ أسألُ اللَّهَ العافيةَ لَنَا وَلَكُمْ ) رواه النسائي في سننه ؛ وصحَّحه الألباني في صحيح النسائي برقم ٢٠٣٩

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ : ( زَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْرَ أُمِّهِ ، فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ ، فَقَالَ : اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي ، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي ، فَزُورُوا الْقُبُورَ ؛ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ ) رواه مسلمٌ في صحيحه ، وفي رواية : ( قَدْ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ القُبُورِ ؛ فَقَدْ أُذِنَ لِمُحَمَّدٍ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّهِ ، فَزُورُوهَا ، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الآخِرَةَ ) رواه الترمذي في سننه ، وقال حديثٌ حسنٌ صحيح .

3-زيارة القبور للتقرب إلى الله عندها بأنواعٍ من العبادات كقراءة القرآن أو الصلاة أو الصدقة أو الدعاء أو غيرها ظنَّاً أنَّ العبادة عندها لها مزيةَ فضلٍ عما سواها من الأماكن ؛ فهذه زيارة بدعية ؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ ، وإنَّ أفضلَ الهديِ هديُ محمدٍ ، وشرَّ الأمورِ مُحدثاتُها ، وكلَّ مُحدَثةٍ بدعةٌ ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ ، وكلَّ ضلالةٍ في النَّارِ ) رواه النسائي في سننه ؛ وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 1353 ومن البدع عند القبور ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : ( نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن تجصَّص الْقُبُور ، وَأَن يكْتبَ عَلَيْهَا ، وَأَن تُوطأ ) رواه الترمذي في سننه ، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع برقم 1709 وفي حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما : ( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَائِرَاتِ الْقُبُورِ ، وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ ، وَالسُّرُجَ ) رواه أبو داود في سننه ، وحسَّنه الألباني في مشكاة المصابيح برقم 740 وفي حديث عائشة ، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما قالا : ( لَمَّا نُزِلَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) أي الموت ( طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ ، فَإِذَا اغْتَمَّ كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ ، فَقَالَ : وَهُوَ كَذَلِكَ : لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ ؛ يُحَذِّرُ مِثْلَ مَا صَنَعُوا ) متفقٌ عليه .

أخي القارئ الكريم : إنَّ البدع تتجدد من زمان إلى زمانٍ ، ومن مكانٍ إلى مكان ، ومنها اعتقاد أنَّ رشَّ القبور بالماء يخفِّف عن الموتى ما هم عليه ؛ ومنها تخصيص بعض الأيام بالزيارة دون غيرها كيوم الجمعة وعيد الفطر والأضحى ، واعتقاد أنَّ للزيارة فيها فضلاً عمَّا سواها ؛ إلى غير ذلك من البدع التي تفعل عند القبور ؛ والتي هي وسيلة إلى الشرك بالله ؛ وعبادة أصحابها من دون الله عزَّ وجل ؛ فيجب الحذر من البدع ، والتنبيه عليها ، والأخذ على أيدي المبتدعين في المقابر حتى لا تتطور ، ويقع أهلها في الشرك الأكبر دون أن يشعروا ؛ والله المستعان .

4-زيارة القبور بنية عبادة الموتى أنفسهم من دون الله عز وجل ، أو اتخاذهم شفعاء لزوارها عند الله ؛ فيدعونهم ، ويستغيثون بهم ، ويذبحون لهم ، ويطوفون بقبورهم ، ويتمسحون بتراب قبورهم ، وأضرحتهم ، واعتقاد الشفاء منهم للمرض أو الحصول على الولد أو نزول المطر أو غيرها من الحاجات التي لاتطلب إلا من الله وحده لا شريك له ؛ إلى غير ذلك من صور الشرك الأكبر ، المخرج من الملة ؛ سواءً كان المدعو نبياً أو عالماً أو رجلاً صالحاً ، أو غيرهم ؛ فكلُّ ذلك شركٌ أكبر قد نهى الله عنه في كتابه ؛ وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ قال الله تعالى : ( وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ) ( الجن : 18 ) وقال تعالى : ( أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ) ( الزمر : 3 ) وفي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه المتفق عليه : ( سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ ؟ قَالَ : أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ ؛ قَالَ : قُلْتُ لَهُ : إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ ، قَالَ : قُلْتُ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ ؛ قَالَ : قُلْتُ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : ثُمَّ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ ) وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم : ( اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدْ، لَعَنَ اللهُ قَوْمًا اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ ) رواه أحمد في مسنده ، وصحَّحه الألباني في فقه السيرة ص53 , وتحذير الساجد ص17، وهداية الرواة 715 .

أخي القارئ الكريم : الندُّ ، والوثن ، هو كلُّ ما عبد من الله ؛ سواءً كان المعبود صنماً أو صليباً أو قبراً أو بقراً أو شجراً أو غير ذلك من الآلهة الباطلة التي قال الله فيها : ( وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ ۖ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ ) ( يونس : ١٠٦ ) فلنحذر إخوتاه من الشرك بالله ؛ ومظاهره المتنوعة ؛ على أنفسنا ، وأولادنا ، وقراباتنا ، ومجتمعاتنا ؛ وذلك لخطورته ؛ وعظيم إثمه ؛ وشدة عقوبة أهله عند الله ؛ اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين ؛ وأذلّ الكفر والمشركين؛ ووفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك ؛ واتباع سنة نبيك صلى الله وعليه وسلم ؛ والأخذ على أيدي أهل الشرك والمبتدعين ؛ اللهم اجعلنا من أهل التوحيد المؤمنين ؛ واحشرنا في زمرة الأنبياء والمرسلين في جناتك جنات النعيم يا رب العالمين ؛ وقنا عذابك يوم تبعث عبادك يا أرحم الراحمين .

اللهم آمين .

 

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى