الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر


حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله ، وصحبه ، ثمَّ أمَّا بعد :
أخي القارئ الكريم : المعروف : هو كلُّ أمرٍ عرف حسنه عقلاً ، وشرعاً . والمنكر : هو كل أمر عرف قبحه عقلاً وشرعاً .
وإنَّ من طبيعة البشر النقص ، والوقوع في الخطأ ، وغالباً يكون عن جهلٍ بما أمر الله به في كتابه ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو يكون عن جهلٍ بما نهى الله عنه في كتابه ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وحتى يحصل التمام والكمال للجميع على مقتضى كتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، كان لزاماً على أمة الإسلام القيام بشعيرة الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ؛ فمنذ خلق الله الخلق لعبادته ، وأوجد العباد لطاعته ، كان إرسال الرسل ، وإنزال الكتب عليهم ؛ ودعوتهم لرحاب الحق أمراً بالمعروف ، ونهياً عن المنكر في مجتمعاتهم وأقوامهم ؛ وجاء بعدهم المصلحون من العلماء والدعاة وغيرهم على هذا السبيل جيلاً بعد جيل قياماً بهذه الشعيرة العظيمة ؛ ليخرجوا الناس من الشرك إلى التوحيد ؛ ومن البدعة إلى السنة ؛ ومن الكبيرة والمعاصي إلى الطاعة وأنواع القربات ؛ ومن سوء الآداب والأخلاق ؛ إلى أحسنها وأتمها ؛ ليستقيموا على ما يحبه الله ويرضاه ؛ ويتركوا ما يسخطه ويغضبه .
وإليكم إخواني القراء : قبساً نيِّراً من تلك النصوص الشرعية التي رغبت أهل الإسلام في القيام بشعيرة الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، على النفس ، والأهل ، والناس أجمعين ، كلٌّ على حسب علمه ، وقدرته ، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً ؛ منها ما جاء في قول الله تعالى : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ) ( آل عمران : 110 ) قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ” من سَرَّه أن يكون من تلك الأمة ، فَلْيؤدّ شَرْط الله فيها ” وقال تعالى : ( وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ( الأعر اف : 156 ) وقال تعالى: ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ( آل عمران : 104 ) وقال صلى الله عليه وسلم : { مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ } رواه مسلمٌ في صحيحه ، وفي رواية له : { مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ ، وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ ، وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ } وقال صلى الله عليه وسلم : { إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ، كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ ، فَيَقُولُ : يَا هَذَا ، اتَّقِ اللَّهَ وَدَعْ مَا تَصْنَعُ ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَكَ ، ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ ، فَلَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ ، وَشَرِيبَهُ ، وَقَعِيدَهُ ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ ، ثُمَّ قَالَ : ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ) إِلَى قَوْلِهِ ( فَاسِقُونَ ) ( المائدة : 81 ) ثُمَّ قَالَ : { كَلّا وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَيِ الظَّالِمِ ، وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا ، وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا } رواه أبو داود في سننه بإسناده فيه ضعف ، وفي رواية : { وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ } رواه الترمذي في سننه ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم 2399 ، وللبيهقي في شعب الإيمان : ” عن مالك بن دينار رضي الله عنه قال : ” إن الله عز وجل أمر بقرية أن تعذب فضجَّت الملائكة ، قالت : إنَّ فيهم عبدك فلاناً ، قال : أسمعوني ضجيجه ، فإنَّ وجهه لم يتمعَّر غضباً لمحارمي ” وفي الصحيحين من حديث الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ : { قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ : لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرُ مُصْفِحٍ عَنْهُ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ ، فَوَاللهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ ، وَاللهُ أَغْيَرُ مِنِّي ، مِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا ، وَمَا بَطَنَ } .
إخواني القراء : علينا بالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر كلٌّ منَّا على حسب استطاعته ، ومكانته ؛ ويكون ذلك بالكلمة الطيبة ، وبالأسلوب الحسن ، بين أهلينا ، ومجتمعاتنا ، وعلينا بالحلم والحكمة ؛ والصبر وعدم العجلة ؛ لتتحقق بها المصالح وتزداد ، وتندرئ بها المفاسد وتقل ، وألا نتهاون بشعيرة الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر بعد معرفتنا للآيات الربانية ، والأحاديث النبوية ، الدالة على ذلك ؛ ولا نقول ما لنا ولغيرنا ونحن قادرون على أدائها إلى من يحتاجها من أمة الإسلام وغيرهم ؛ لنسلم جميعاً من عقوبة الله ، وسخطه علينا دنياً وأخرى ، والله نسأل أن يعيننا وإياكم على ذكره ، وشكره ، وحسن عبادته ، وأن يجعلنا وإياكم من أنصار دينه ؛ الآمرين بالمعروف ، الناهين عن المنكر ؛ القائمين بكل مأمور ، التاركين لكل محذور ، اللهم إنا نسألك صلاح أنفسنا ، واستقامتها ، وأن تعفو عن تقصيرنا ، وسيئات أعمالنا ، وأن تعاملنا بعفوك ومغفرتك ورحمتك بنا ، وأنت خير الغافرين ، وأرحم الراحمين ، ورب العالمين
.اللهم آمين .