القيادة ليست سلطة.. بل وعي واستحقاق


الكاتبة :حنان سالم باناصر
نحن لا نولد بشعورٍ بالاستحقاق، بل نتعلمه. نتعلم كيف نرى أنفسنا، وكيف نسمح لأنفسنا أن نحلم، وأن نحصل على ما نريده من الحياة دون أن نشعر بالذنب أو الخوف. فاستحقاق الذات ليس أن تقول “أنا الأفضل”، بل أن تؤمن من أعماقك أنك “كافٍ كما أنت”، وأنك تستحق الحب والاحترام والنجاح لمجرد أنك إنسان.
أحيانًا، يكبر الإنسان وهو يحمل بداخله فكرة خفية تقول له: “لست كافيًا”. قد تأتي من تربية صارمة، أو تجربة رفض، أو مقارنة مستمرة بالآخرين. ومع الوقت، يبدأ هذا الصوت الصغير يقوده بصمت، فيمنعه من الفرح، ويجعله يرضى بالأقل، أو يخاف من المحاولة. هنا يبدأ الوعي. أن تتوقف لحظة وتسأل نفسك: “من قال إني لا أستحق؟ ولماذا صدّقته؟”.
الوعي بالاستحقاق يعني أن ترى نفسك بعين مختلفة؛ أن تفهم أن قيمتك ليست بما تملك أو تنجز، بل بما أنت عليه. أن تقبل ضعفك مثلما تحتفي بقوتك، وأن تفهم أن وجودك وحده كافٍ لتكون جديرًا بالخير. هذا الوعي لا يأتي فجأة، لكنه يبدأ من لحظة صدق واحدة مع النفس، من لحظة تقول فيها: “سأعامل نفسي بلطف”.
ثم يأتي الإيمان. الإيمان بأنك حقًا تستحق، حتى لو لم يصدقك أحد. الإيمان بأن الله خلقك بقدر، وأعطاك مكانك في الحياة، فلا تحتاج إذنًا من أحد لتشعر أنك جدير. هذا الإيمان ليس غرورًا، بل يقينًا هادئًا يجعلك تمشي بثقة، دون أن ترفع رأسك تكبرًا ولا تخفضه خضوعًا.
ضعف الاستحقاق يظهر في صور كثيرة: حين تخاف من النجاح لأنك لا ترى نفسك تستحقه، أو حين تقلل من إنجازاتك وكأنها لا تعني شيئًا، أو حين تقبل علاقات مؤذية فقط لتُرضي الآخرين. لكنه أيضًا يمكن أن يزول حين تبدأ بالتصالح مع ذاتك.
ابدأ بخطوات بسيطة: تحدّث مع نفسك بلطف، لا تهاجمها. دوّن كل يوم شيئًا واحدًا جميلًا فيك. مارس الامتنان لما لديك بدل التركيز على ما ينقصك. احتفل بإنجازاتك، ولو كانت صغيرة. ذكّر نفسك أن قيمتك لا تُقاس بما تفعل، بل بما أنت عليه في الجوهر. وابحث عن بيئة تشجعك وتراك كما أنت، لا كما يريدونك أن تكون.
في العلاقات والعمل، يظهر استحقاق الذات في هدوئك، في قدرتك على وضع حدود دون خوف من الرفض، وفي ثقتك بأنك تستحق الاحترام والتقدير. الشخص الواعي بذاته لا يبالغ في العطاء ليُثبت قيمته، ولا يخاف من قول “لا” حين تُؤذيه المواقف. هو يعرف أنه لا يحتاج أن يُقنع أحدًا بقيمته، لأنها ببساطة ليست قابلة للنقاش.
في النهاية، استحقاق الذات ليس شعارًا نعلّقه، بل رحلة مستمرة بين الوعي والإيمان. رحلة تبدأ حين ترى نفسك بعين الله، لا بعين من قلّل منك. حين تؤمن أنك لست نسخة مكررة، وأنك خُلقت لتكون على هذه الأرض لسبب، ولحكمة. أنت تستحق أن تُحب، وأن تُقدّر، وأن تحيا حياة مليئة بالمعنى والرضا، لا لأنك بلا عيوب، بل لأنك إنسان.
فآمن بذاتك، ولا تنتظر إذنًا لتكون سعيدًا. استحقاقك لا يُمنح لك من أحد، هو شيء تزرعه في قلبك، وتنضج معه يومًا بعد يوم، حتى يصبح جزءًا منك، وسلامًا يسكنك.