حديث الببغاوات


بقلم : عبهر نادي
في ساحةٍ مزدحمةٍ بالألوان، تحلّق الببغاوات بحريةٍ مستعارة ، تردّدُ ما تسمعُ بنغمةٍ واحدةٍ لا تنتمي إليها.
تبدو سعيدةً بصوتها العالي، لكنها في الحقيقة تُعيدُ ما قيل لها… بلا إحساسٍ ولا فهم.
وفي المشهد المقابل ، تتكرر الحكاية بين البشر !ذات الأصوات، ذات الكلمات، ذات القناعات المستعارة.
يتكلمون كثيرًا، لكن أحدًا لا يُصغي… لأن الكل يردد ما قاله الآخر، والكل يريد أن يُسمَع دون أن يفهم.
*في زمنٍ امتلأ بالضجيج تلاشت المفهومية في زحمة التكرار، وغاب الفكر تحت جناح الببغاء الملوّن.
نعيش زمن استنساخ جميل المظهر فارغ المعنى.
يتحدث الناس فيه بلغةٍ واحدة، يضحكون بذات التعابير، يكتبون ذات العبارات، ويهاجمون نفس المواقف وكأنهم نسخٌ من وعيٍ واحد.
وفي المجالس، وعلى المنصّات، وحتى في تفاصيل الحياة اليومية يتكرر كل شيء: الفكرة، الموقف، وحتى المشاعر.
نُعبّر عن الحب بجُمل جاهزة ، عن الحزن بصور محفوظة ، وعن الرأي بما يُقال لا بما نؤمن به.
لم يعد التفكير ترفًا، بل أصبح غيابُه عادة.
صرنا نُصفّق لما يُقال لأن الآخرين صفّقوا، ونؤمن بما يُكتب لأن له عددًا من الإعجابات.
كأنّنا فقدنا حقّ الاختلاف، وفقدنا معه جمالنا الخاص، ذلك النقاء الذي لا يولد إلا حين نفكر بأنفسنا.
“حديث الببغاوات” لم يعد مجرّد استعارة، بل وصفٌ لواقعٍ بات يُكرّر نفسه كل يوم:
أصواتٌ تتصنع المعرفة، ولا تعرف معناها.
عقولٌ تردّد معانِ الحكمة ولم تمرّ بتجربتها.
وقلوبٌ تكرر الكلمات الجميلة، دون أن تعيش دفئها.
لن يصمت العالم ما دمنا نتكلم بأصواتٍ ليست لنا.
لكنّ الحياة تحتاج إلى من يُفكّر بصوته الخاص، لا إلى من يُردّد بصوت الجميع.
فلنترك للببغاوات مهمّة الصدى، ولنعد نحن إلى نغمتنا الخاصة .
فالكلمة التي تخرج من القلب، لا تحتاج أن تُكرَّر لتُسمع…يكفي أن تُقال بصدقٍ لتبقى.
“لأن التفكير صوت العقل والروح… لا صدى الآخرين “