طفلك الداخلي

د. رغدة الإدريسي
قرأت ذات مرة لمختص في علم النفس، أن الاحتياجات الانفعالية لدى الإنسان تظل ثابتة من مرحلة الطفولة إلى مرحلة النضج، وكل ما في الأمر أن الإنسان يطور سلوكيات أكثر تعقيدا أو رمزية للتعبير عنها، فالطفل الذي يتشقلب أمام من يحب ليلفت انتباهه، هو البالغ الذي قد يتأنق في لباسه أو ينمق كلامه، أو يضع عطرا للفت الانتباه، والطفل الذي يغضب فيصرخ و يبكي و يقذف الأغراض، هو البالغ الذي قد يتجاهل مكالمة ما أو لا يفتح رسالة مرسلة، أو حتى يقوم بعمل بلوك، والطفل الذي يجلس مغاضبا ومكتفا ساعديه، منتظرا من يرضيه، هو ذاته البالغ الذي يضع عبارات إيحائية في قصة السناب أو الواتس اب.
أي أن احتياجات الإنسان ثابتة من مرحلة الطفولة إلى مرحلة النضج، والنمو لا يغيرها، وإنما يطور وسائل أكثر تعقيدا للتعبير عنها.
وتصبح تصرفات البالغ أكثر طفولية مع من يحب، للتعبير عن ألمه أو غضبه، وكلما كان النضج أعلى وتهذيب النفس أقوى، استطاع إرغام ذاته على إيقاف التعبيرات الطفولية، واستخدام ردات فعل أكثر نضجا ومسؤولية.
لقد أشعرتني هذه المعلومة التي قرأتها بضعفنا الداخلي مهما تظاهرنا بالقوة الخارجية، فالبشر يحنون لكلمة طيبة، ونظرة اعتذار، وانتباه وتقدير، في محيط العائلة، ومن الأصدقاء المخلصين، وحتى في أعمالهم ووظائفهم ومدارسهم.
فلا تبخلوا على بعضكم بهذا الرفق، احنوا على الطفل الصغير في داخلنا جميعا، عبروا عن تقديركم وإعجابكم بأبنائكم، بطلابكم، بموظفيكم، وبأزواجكم، احنوا على الغاضبين وارفقوا بهم، امدحوا المتأنقين، وراسلوا المتجاهلين، وارفعوا البلوك عن المبلكين، فالحياة قصيرة، ومغادرتنا لها قريبة.



