حوكمة الفكر وبناء القيم

د . مشاعل الغفيلي
الحوكمة تمثل قمة الهرم الإداري، ومصطلحها مشتق من الجذر (حكم – يحكم – أحكام)، والأحكام تعني الضبط، والضبط يتطلب قوانين وقواعد وسياسات وإجراءات ونماذج وأتمتة. وهي المظلّة الشاملة التي تضم جميع أدوات الرقابة، وتقوم على مبادئ العدل والنزاهة والشفافية والمساواة، وتشمل العمليات والهياكل والممارسات التي توجه المنظمة وتبقيها على المسار الصحيح.
في جوهرها، تعني الحوكمة وجود سياسات وإجراءات واضحة تنظّم القرارات وتضمن توافقها مع الأهداف الاستراتيجية، كما تخلق المساءلة بحيث يعرف الأفراد والفرق أدوارهم ضمن إطار محدد. وغيابها يجعل عملية اتخاذ القرار غير واضحة ويزيد المخاطر. إلا أن السيطرة على الحوكمة لا تكتمل بالأنظمة والسياسات وحدها، بل ترتكز أساسًا على النزاهة الشخصية التي تنعكس على نزاهة المنظمة ككل
. لذلك يجب أن تكون الحوكمة المستدامة عملية تعلم مستمرة تغرس القيم الأخلاقية في السلوك التنظيمي حتى تصبح عادة متأصلة، وبهذا يزداد وعي القادة والموظفين بمسؤولياتهم في التصرف وفق مبادئ أخلاقية يوجّهنا إليها الدين كمنهج حياة صحيح.
وتتطلب الحوكمة الحقيقية تضمين القيم الشخصية في فكر الموظفين من القيادة إلى المستويات التنفيذية، وتدريبهم على استحضار هذه القيم في قراراتهم اليومية. بهذه الطريقة تتحول النزاهة والمسؤولية إلى سلوك مستدام، وتنمو ثقافة تنظيمية قائمة على الوضوح والمساءلة وتعزيز القيم المشتركة.
وعليه، فإن الحوكمة الفاعلة تُميز المنظمة بالثقة والمصداقية والشفافية والمسؤولية الفردية والاجتماعية، إضافة إلى التواصل المفتوح والتعلم المستمر. وعندما تتأصل هذه القيم في الداخل، ينعكس أثرها الإيجابي على سلوكيات المجتمع بأسره.



