مقالات

حفظ الأمانات

حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري

حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري

بسم الله الرحمن الرحيم

  الحمد لله وحده ، والصلاة ، والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله ، وصحبه ، ثمَّ أمَّا بعد :

أخي القارئ الكريم : لقد عظَّم الله من شأن الأمانة في كتابه ، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، فقال تعالى : { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً } [ الأحزاب : 72 ] وقال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها } [ النساء : 58 ] وقال صلى الله عليه وسلم : { أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ } رواه الترمذي في سننه ، وصحَّحه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 423 وقال صلى الله عليه وسلم : { لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ } رواه أحمد في مسنده ، وصحَّح الحديث الألباني في صحيح الجامع برقم 7179 وغيرها من النصوص الشرعية الدالة على أهمية أداء الأمانة ، والحذر من ضدها وهي الخيانة .

أخي القارئ : الأمانة أنواعٌ بعضها أعظم من بعض ، وهي على النحو الآتي:

1-أعظم هذه الأمانات ، العمل بالدين الإسلامي ؛ الذي خلقنا الله تعالى في هذه الدنيا من أجله ، قال الله تعالى : { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً } [ الأحزاب : 72 ] قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره : ” الأمانة تعمُّ جميع وظائف الدين ” قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ” الصَّلَاةُ أَمَانَةٌ ، وَالْوُضُوءُ أَمَانَةٌ ، وَالْوَزْنُ أَمَانَةٌ ، وَالْكَيْلُ أَمَانَةٌ ، وَأَشْيَاءُ عَدَّدَهَا ، وَأَعْظَمُ ذَلِكَ الْوَدِائِعُ ، فَأَتَيْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ ، فَقُلْتُ : أَلَا تَرَى إِلَى مَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ ؟ قَالَ : كَذَا ؛ قَالَ : كَذَا … صَدَقَ أَمَا سَمِعْتَ يَقُولُ اللهُ : { إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } [ النساء : 58 ] ” وقال قتادة : الأمانة الدين ، والفرائض ، والحدود . وقال بعضهم : الغسل من الجنابة ، وعن زيد بن أسلم قال : الأمانة ثلاث: الصلاة ، والصوم ، والاغتسال من الجنابة .

ومن الأمانة أخي القارئ الكريم : تبليغ هذا الدين الإسلامي إلى من لا يعلمه ؛ قال صلى الله عليه وسلم : { أَلَا تَأْمَنُونِي ؟ وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً } متفقٌ عليه ، وهكذا أتباعه من بعده من العلماء ، والدعاة إلى الله على هذا المنهج القويم إلى أن تقوم الساعة ؛ قال صلى الله عليه وسلم : { بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً ، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّار } رواه البخاري في صحيحه .

2-من الأمانات التي يجب أداؤها لأهلها ما اؤتمن الإنسان عليه من الودائع ، قال الله تعالى : { إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } وقال صلى الله عليه وسلم : { أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ } رواه الترمذي في سننه ، وصحَّحه الألباني في السلسلة الصحيحة ، وكان جحد الودائع ، وعدم أدائها لأصحابها خيانةً يجب الحذر منها ؛ قال الله تعالى : { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [ الأنفال : 27 ] والخيانة للأمانة أخي القارئ من علامات الساعة الصغرى ؛ قال صلى الله عليه وسلم : { أول ما تفقدون من دينكم الأمانة ، وآخر ما تفقدون الصلاة } رواه الضياء في المختارة ، وصحَّحه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 1739 .

3-من الأمانة التي يجب حفظها ، وعدم نشرها : ما اؤتمن عليه الانسان من الأسرار ، فإن أفشيتها كنت خائناً لأمانتك ؛ التي كلفت بحفظها ؛ قال صلى الله عليه وسلم : { إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْأَمَانَةِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا } رواه مسلمٌ في صحيحه ، وقال صلى الله عليه وسلم : { إِذَا جَمَعَ اللهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ ؛ فَقِيلَ : هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ } رواه مسلمٌ في صحيحه .

4-من الأمانة قيامك بواجباتك الوظيفية كما ينبغي ، فإذا تساهلت بها ، ولم تؤدها على الوجه المطلوب كنت خائناً لأمانتك ؛ قال صلى الله عليه وسلم : { إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ ؛ قَالَ : كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ } رواه مسلم في صحيحه ، ولمسلمٍ أيضاً رحمه الله : { عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ الله ِ، أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي ؟ قَالَ : فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ، ثُمَّ قَالَ : يَا أَبَا ذَرٍّ ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ ، وَإِنَّهَا أَمَانَةُ ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا ، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا } .

5-من الأمانة حفظ النعم التي آتاك الله إيَّاها ، وشكر الله عليها سواءً كانت هذه النعم في نفسك أو ولدك أو زوجك أو مالك أو غيرها من النعم ، وقد قال الله تعالى : { وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ * ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } [ النحل : 53 -55 ] وقال تعالى : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ } [ الرعد : 7 ] وقال تعالى : { وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } [ الرعد : 34 ] نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن استعمله في طاعته ، ونجاه من مخالفة أمره ومعصيته ، وأن يجعلنا من الحافظين لأمانتهم ، والذين هم لعهدهم راعون ، وأن يجمعنا بالمصطفين الاخيار من عباده في جنات الخلود ، وأن يقينا وإياكم عذاب القبر والجحيم ، ووالدينا ووالديهم ، وجميع المسلمين

. اللهم آمين .

الكسوف والخسوف 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى