مقالات

الذكر

حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري

حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري

ذكر الله من أعظم العبادات يقول الله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ) ( الأحزاب : ٤١ – ٤٢ ) وقال تعالى : ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُون )( البقرة : ١٥٢ ) وقال تعالى : ( وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ ) ( الأعراف : ٢٠٥ ) وقال تعالى : ( وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا )( الكهف : ٢٤ ) وقال تعالى : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) ( الرعد : ٢٨ ) وفي الحديث القدسي : ( يقولُ اللَّهُ تَعالَى : أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي ؛ فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي ، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهم ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعًا ، وإنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ) رواه البخاري ومسلم ؛ وقال صلى الله عليه وسلم : ( ألا أنبِّئُكُم بخيرِ أعمالِكُم ، وأزكاها عندَ مليكِكُم ، وأرفعِها في درجاتِكُم وخيرٌ لَكُم مِن إنفاقِ الذَّهبِ والورِقِ ، وخيرٌ لَكُم من أن تلقَوا عدوَّكُم ؛ فتضرِبوا أعناقَهُم ، ويضربوا أعناقَكُم ؟ قالوا : بلَى . قالَ : ذِكْرُ اللَّهِ تَعالى ؛ قالَ معاذُ بنُ جبلٍ : ( ما شَيءٌ أنجى مِن عذابِ اللَّهِ من ذِكْرِ اللَّهِ ) رواه الترمذي في سننه ؛ وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم ٣٣٧٧ وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَسِيرُ في طَرِيقِ مَكَّةَ ، فَمَرَّ علَى جَبَلٍ يُقَالُ له : جُمْدَانُ ، فَقالَ : سِيرُوا هذا جُمْدَانُ ؛ سَبَقَ المُفَرِّدُونَ ؛ قالوا : وَما المُفَرِّدُونَ يا رَسولَ اللهِ ؟ قالَ : الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ ) رواه مسلمٌ في صحيحه ؛ وفي حديث عبدالله بن بسر رضي الله عنه : ( أنَّ رجلًا قال يا رسولَ اللهِ إنَّ شرائعَ الإسلامِ قد كثُرت عليَّ ؛ فأخبِرني بشيءٍ أتشبَّثُ به ؟ قال : لا يزالُ لسانُك رطبًا من ذكرِ اللهِ ) رواه الترمذي في سننه ؛ وصححه الالباني في صحيح الترمذي برقم ٣٣٧٥ وقال صلى الله عليه وسلم : ( مَثَلُ الذي يَذْكُرُ رَبَّهُ ؛ والذي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ ؛ مَثَلُ الحَيِّ والمَيِّتِ ) رواه البخاري ومسلم ؛ وكم هي النصوص الشرعية الكثيرة المتواترة على أهمية الذكر ، وبيان فضله عند الملك الرحيم الرحمن .

وإنَّ أفضل أنواع الذكر هو القرآن الكريم قال الله تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ( الحجر : ٩ ) وقال تعالى : ( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ) ( الزخرف : ٤٤ ) ومن أنواع الذكر التسبيح ، والتحميد ، والتهليل ، والتكبير ؛ وغيرها ؛ قال صلى الله عليه وسلم : ( أَحَبُّ الكَلامِ إلى اللهِ أرْبَعٌ : سُبْحانَ اللهِ ، والْحَمْدُ لِلَّهِ ، ولا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، واللَّهُ أكْبَرُ ، لا يَضُرُّكَ بأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ ) رواه مسلم في صحيحه ؛ وقال صلى الله عليه وسلم : ( لأَنْ أَقُولَ : سُبْحَانَ اللهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، أَحَبُّ إِلَيَّ ممَّا طَلَعَتْ عليه الشَّمْسُ ) رواه مسلم في صحيحه ؛ وقال صلى الله عليه وسلم : ( مَن قال : سُبْحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ في يَومٍ مِائَةَ مَرَّةٍ ؛ حُطَّتْ خَطاياهُ وإنْ كانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ ) رواه البخاري ومسلم ؛ وقال صلى الله عليه وسلم : ( مَن قالَ : لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له له المُلْكُ وله الحَمْدُ وهو علَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ في يَومٍ مِئَةَ مَرَّةٍ ؛ كانَتْ له عَدْلَ عَشْرِ رِقابٍ ، وكُتِبَتْ له مِئَةُ حَسَنَةٍ ، ومُحِيَتْ عنْه مِئَةُ سَيِّئَةٍ ، وكانَتْ له حِرْزًا مِنَ الشَّيْطانِ يَومَهُ ذلكَ حتَّى يُمْسِيَ ، ولَمْ يَأْتِ أحَدٌ بأَفْضَلَ ممَّا جاءَ به إلَّا أحَدٌ عَمِلَ أكْثَرَ مِن ذلكَ ) رواه البخاري ومسلم ، وقال صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن قيس رضي الله عنه : ( ألَا أدُلُّكَ علَى كَلِمَةٍ مِن كَنْزٍ مِن كُنُوزِ الجَنَّةِ؟ قُلتُ : بَلَى يا رَسولَ اللَّهِ ، فَدَاكَ أبِي وأُمِّي ، قالَ : لا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إلَّا باللَّهِ ) رواه البخاري ومسلم .

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين : ” الذكر هو باب الله الأعظم المفتوح بينه وبين عبده مالم يُغلقه العبد بغفلته ” قلت : إيانا وإياك أن نغلق هذا الباب بعد أن كان مفتوحاً ؛ فنقطع صلتنا بربنا ؛ فالذكر هو حياة الروح والبدن معاً ، وهو صلةٌ يتصل به العبد بربه ، ويستشعر من خلال الذكر عظمةَ الله ، وجليل فضله ونعمه ؛ وأجره الوفير على الذاكرين والذاكرات .

وأخيراً أذكر نفسي وإياكم بأن يكون الذكر على الصفة المشروعة التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه الكرام من بعده ؛ والتابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين ؛ لا كما عليه أهل البدع الذين من ذكرهم : الفصل بين ( لا إله ) فتكون في جملة ، و ( وإلا ) في جملةٍ أخرى ؛ بل لابد أن تقال جملة واحدة ( لا إله إلا الله) ؛ فإن من قال ذلك كفر بالله بعدد المرات التي يفصل فيها النفي عن الإثبات ؛ أو قول بعضهم : ( هو ) ( هو ) ( هو ) ؛ أو غيرها من الأذكار المبتدعة ، وكذلك ألا يكون ذكرنا لربنا بصفة جماعية ؛ بل كل واحدٍ يذكر الله في نفسه من غير اجتماع واتفاق ؛ وقد قال الله تعالى : ( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا )( النساء : ١١٥ ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( من أحدَث في أمرِنا – أو دينِنا – هذا ما ليس فيه فهو رَدٌّ ) وفي لفظٍ : ( من عمل عملًا ليس عليه أمرِنا فهو رد ) رواه البخاري ومسلم .

اللهم اجعلنا ممن اتبع كتابك ، وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم ؛ وما كان عليه السلف الصالح عقيدةً ، وعبادةً ، ومعاملةً ، وأخلاقاً ، وسلوكاً ؛ اللهم اجعلنا ممن يذكرك كثيراً ولا ينساك ؛ ويشكرك على الوجه الذي يرضيك ولا يكفرك ؛ اللهم ارزقنا بذكرك واسع فضلك ورحمتك ؛ ونجنا بذكرك وشكرك عذابك يوم تبعث عبادك يا سميع الدعاء . اللهم آمين .

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى