رحلتي في كلية مسقط


زينة سليم سالم البلوشي
بدأت رحلتي في كلية مسقط بخطوات خجولة تائهة بين أروقة لم أعرف لها بابًا ولا معنى. لم أكن أعرف ما الفرق بين مس ومستر، ولا ما يعنيه الكانتِين ولا أي تفصيلة تخص حياة الجامعة. دخلت بلا أصدقاء ولا خبرة ولا فكرة سوى حلم يرافقني: أن أُكمل، أن أنجح، أن أكون شيئًا أفخر به يومًا.
في سنتي الأولى حاولت أن أفهم كل شيء خطوة بخطوة، وبدأت أبني صداقاتي الأولى. مددتُ يدي للجميع، ساعدت من استطعت، لكنني ذقت طعم الغدر ممن ظننتهم أوفياء. اكتشفت أن بعض الناس يأتون فقط وقت الحاجة ويرحلون وقت الوفاء. لكن حتى هذا الغدر علّمني.
كان لي بين الجدران البيضاء شقيقات قبل أن يكنّ صديقات: سمية، مرام، بدور، تسنيم، أنفال، إسراء، آية، إخلاص، فاطمة، هاجر، وآلاء. جمعَتنا القاعات والممرات والساحات، وفرّقتنا السنوات الدراسية، لكننا كنا كتلة واحدة. تعلمت من تسنيم معنى الصبر والكفاح، ومن إسراء كيف يكون الإصرار والتوكل والقرب من الله، ومن آية وإخلاص طعم الصداقة الحقيقية. من سارة فهمت كيف أطالب بحقي ولا أسكت عنه، ومن فاطمة تعلّمت الهدوء والرِقة، ومن آلاء وأنفال الحنان الذي يشبه دفء العائلة. وحتى من الذين خذلوني أخذت دروسًا لن ينتهي نفعها أبدًا.
أساتذتي كانوا نجومي في ظلمة الطريق: مس حميثا، مس مانيلا، مس برسيدا، مس مزنة، مس نزهة، مستر فيردي، مستر جمال، مستر ساران. كل واحد منهم ترك في قلبي كلمة أمل، دفعني لأن أمضي وأُكمل مهما كانت العقبات.
اليوم، أحمل شهادة البكالوريوس في علوم الحاسب الآلي مع مرتبة الشرف بعد خمس سنوات من التعب والاجتهاد. صارت لديّ قدرة على التعلم الذاتي السريع وشغفٌ لا ينطفئ لتطوير نفسي. أحمل معي لغات البرمجة، والمهارات التقنية، والأهم: أحمل دروسي التي لا تُدرّس في الكتب، بل في الحياة.
رحلتي في كلية مسقط لم تكن مجرد دراسة، كانت حياة كاملة، وصنعت مني إنسانة أقوى مما بدأت به. واليوم أبحث عن فرصة أزرع فيها ما تعلّمته، وأسقيه من طموحي حتى يكبر ويثمر، كما كبرت أنا.
مس: المعلمة أو المحاضِرة
مستر: المعلم أو المحاضر
الكانتِين:فهو المقصف الذي يجتمع فيه الطلاب ليرتاحوا ويأكلوا ويضحكوا.