مقالات

ماذا نفعل عندما ننجح… ولا نشعر بالرضا؟

بقلم الكاتبة: حنان القرني

بقلم الكاتبة: حنان القرني

كثيرون ينجزون.. يعملون بجد، يلتزمون، ويحققون نتائج تُحسب لهم.
ومن الخارج، تبدو الصورة مكتملة: مسار واضح، مهام تُنجز، وتقدم يُقاس بالأرقام ،و ايادي تهتف

لكن في الداخل، يظهر سؤال مختلف تمامًا:
لماذا لا نشعر بالرضا رغم كل ما نحققه؟

هذا السؤال لا ينبع من ضعف، ولا من تقليل للجهد المبذول، بل من فجوة خفية بين ما نفعله، وما نشعر أنه يستحق أن نمنحه وقتنا وحياتنا.
أحيانًا نكون ناجحين، لكننا لا نشعر أن هذا النجاح يُشبهنا.

المشكلة هنا ليست في العمل ذاته، ولا في حجم الإنجاز، بل في المعنى الذي نحمله له. وحين يتحوّل العمل إلى التزام يومي، يفقد الإنجاز أثره، مهما بدا مكتملًا.
وغالبًا ما يُوصف هذا الشعور في كلمة واحدة: الشغف.
لكن الشغف، في الحقيقة، يُساء فهمه كثيرًا

الشغف ليس حماسًا دائمًا، ولا اندفاعًا عاطفيًا، ولا شعورًا يظهر فجأة ليقودنا إلى الطريق الصحيح. في الواقع، الشغف أقرب إلى محطة وصول، لا نقطة انطلاق.

يتشكل مع الوقت، بوصفه نتيجة لفهم أعمق لأنفسنا، وما نريده فعلًا، ولماذا نختار مسارًا دون آخر.

ولا يتكون هذا الفهم في لحظة واحدة.
ولكن يتشكل عبر التجربة، والمحاولة، وأحيانًا عبر الإخفاقات المتتالية.

وقد تبدأ الرحلة بأسئلة نتجاوزها طويلًا، بينما ننشغل بما يجب إنجازه. لكنها لا تختفي؛ بل تعود في لحظات الصمت:
هل هذا المسار يشبه قيمنا؟
هل اخترناه فعلًا، أم اعتدناه؟
وهل ما نفعله اليوم يقربنا ممن نطمح أن نكون؟

في هذه المرحلة، لا نكون بحاجة إلى خطة جديدة بقدر حاجتنا إلى بوصلة داخلية.
البوصلة لا ترسم الطريق كاملًا، ولا تمنع التعب أو الخطأ، لكنها تساعدنا على تمييز الاتجاه. تذكرنا بما يناسبنا، وتنبهنا حين ننحرف عن ذواتنا، لا عن أهدافنا فقط.

امتلاك هذه البوصلة لا يعني أن الطريق سيصبح سهلًا، بل يعني أن قراراتنا ستصبح أوضح. سنخطئ أحيانًا، لكننا سنفهم لماذا أخطأنا. وسننجح، لا لأننا فقط حققنا المطلوب، بل لأننا نعرف لماذا نسير في هذا الاتجاه تحديدًا.

لهذا، فالبداية الحقيقية ليست في الوصول السريع، ولا في جمع الإنجازات، بل في لحظة توقف صادقة نراجع فيها المسار نفسه.
لحظة نسأل فيها انفسنا بوعي:
هل هذا الطريق اخترناه فعلًا… أم اعتدنا عليه؟

حين نمتلك هذا الوعي نخفف عن العمل ثقله، ونمنح الإنجاز معناه ويصبح المسار المهني رحلة أقرب إلينا… وإلى ما خُلقنا من أجله.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
💬