مقالات

البيوت أسرار… وليست استوديوهات

بقلم الكاتبة: فاطمة عواجي

بقلم الكاتبة: فاطمة عواجي

أسوأ ما فعلته وسائل التواصل الاجتماعي في كثير من الأسر، أنها غيّرت وظيفة البيت دون أن نشعر. لم يعد البيت في نظر البعض ملاذًا للسكينة، ولا مساحة آمنة للستر والخصوصية، بل تحوّل تدريجيًا إلى مساحة عرض، تُدار فيها الكاميرا قبل أن تُدار المشاعر، ويُحضّر فيها المشهد قبل أن يُعاش.
أصبح السؤال الأهم عند حدوث أي لحظة:
كيف أُصوّرها؟
لا: كيف أعيشها؟
وهنا تبدأ الخسارة الحقيقية.
حين تسبق الكاميرا القلب
اللحظات العائلية بطبيعتها بسيطة: ضحكة عفوية، جلسة هادئة، طفل يخطئ ثم يتعلم، أم متعبة، أب صامت يحمل همًّا لا يُقال.

لكن السوشيال ميديا لا تحب البساطة، هي تطلب الكمال، الإضاءة، الزاوية، والنسخة المُلمّعة من الواقع.
فنتحوّل – دون وعي – من بشر نعيش اللحظة، إلى ممثلين نؤديها.
نبتسم لأن الكاميرا تعمل، لا لأن القلب فرح.
نلتقط الصورة، ثم نفترق كلٌ إلى هاتفه.
البيت ليس مكانًا للمقارنةحين يُعرض البيت يوميًا أمام الآخرين، يدخل إليه ضيف ثقيل: المقارنة.
نقارن بيوتنا ببيوت لا نعرف حقيقتها،
أسرنا بأسر نرى منها لقطة واحدة،حياتنا بحياة مُنتقاة بعناية.. فتبدأ الأسئلة المؤلمة:
لماذا بيتنا أقل؟
لماذا حياتنا أبسط؟
لماذا لا نعيش كما يعيشون؟
وننسى أن ما نراه ليس الحياة… بل واجهتها فقط.
الستر قيمة… لا ضعف
الستر في البيوت ليس تخلفًا ولا انغلاقًا، بل وعي.
أن تُبقي تفاصيل بيتك داخل جدرانه، فهذا احترام للعلاقات، وحماية للمشاعر، وصيانة للخصوصية.
ليس كل جميل يُنشر، ولا كل مؤلم يُعرض، ولا كل خلاف يحتاج جمهورًا.

بعض الأشياء تفقد قيمتها حين تُشارك، وبعض العلاقات تضعف حين تُراقَب الأطفال… أول الضحايا
أخطر ما في تحويل البيوت إلى “مسارح” هو أثره على الأطفال، يكبر الطفل وهو يرى نفسه مادةمحتوى،
ضحكته منشور،
بكاؤه لقطة،
خطؤه قصة.
فيتعلم أن قيمته في التفاعل، وأن الحب بعدد المشاهدات، وأن الخصوصية أمر ثانوي.
وهنا نخسر جيلًا قبل أن ننتبه.
السعادة لا تُصوَّر،  الحقيقة البسيطة التي غفلنا عنها:
السعادة تُعاش… لا تُوثَّق.
أجمل اللحظات غالبًا هي التي لا يوجد فيها هاتف،
ولا صورة،ولا جمهور.،  لحظة صادقة،
ضحكة خرجت دون تخطيط،حديث طال دون انقطاع إشعارات.
خلاصة القول
البيوت خُلقت لتكون:
سكينة… لا صخب
سترًا… لا عرضًا
دفئًا… لا محتوى
فإن أردنا أن نستعيد جوهر السعادة،
علينا أن نُعيد للبيت مكانته،وللحظة قدسيتها،وللعائلة خصوصيتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
💬