فلسفة البداية الصعبة

بقلم الكاتبة : حنان سالم باناصر
هناك لحظات يبدأ فيها اليوم بثِقَلٍ خفيّ؛ مهمة واحدة صعبة تسبقك في التفكير، تلازمك كظلّ، وتفسد عليك بساطة ما بعدها. مهما حاولت الانشغال بتفاصيل صغيرة، تظل تلك المهمة حاضرة، تُقلقك وتستنزف طاقتك قبل أن تبدأ.
من هنا وُلدت الفكرة التي طرحها برايان تريسي في كتابه ابتلع الضفدع أولاً:
أن تبدأ يومك بالمهمة الأصعب، الأكثر إزعاجًا، والأثقل على النفس… حتى لو كانت أقلها متعة.
المماطلة لا تُخفف عبء المهمة، بل تُضخّمها. كل دقيقة تأجيل تجعلها أكبر في الذهن، أثقل في الشعور، وأكثر استنزافًا للطاقة النفسية. تعيشها عشرات المرات في خيالك قبل أن تلمسها في الواقع.
لكن حين تختار أن تواجه “الضفدع” في أول اليوم – مهما بدا كبيرًا أو مخيفًا – يحدث التحوّل.
يهدأ العقل، ويتحرر التفكير، وتولد ثقة صامتة بأنك قادر على الإنجاز. تبدأ يومك من القمة لا من القاع، وتكسب مساحة ذهنية كانت ستُهدر في القلق والتجنّب.
هذه البداية الجريئة ليست مجرد تقنية لإدارة الوقت، بل فلسفة حياة.
أن تبدأ بالأصعب يعني أن ما يأتي بعده يصبح أخفّ، أبسط، وأقرب إلى نزهة ذهنية. تتجاوز العتبة الكبيرة مرة واحدة، ثم تمضي في بقية المهام براحة المنتصر، لا بتوتر الهارب.
في المقابل، كثيرون يضيعون وقتهم في هامش المشهد. ينشغلون بالتفاصيل، بالأدوات، وبمهام صغيرة تمنحهم وهم الإنجاز. يتحركون كثيرًا، لكنهم لا يقتربون من جوهر الصعوبة. يبنون جدارًا من الانشغال، يحجب عنهم النافذة التي تطل على المهمة الحقيقية.
فلا تكن أسير “الانشغال”.
ولا تدع كثرة المهام الصغيرة تخدعك بالشعور بالإنجاز، بينما الأصل ما زال مؤجلاً.
ومع ذلك، فـ“ابدأ بالأصعب” لا تعني القسوة على النفس.
هناك لحظات تحتاج فيها إلى استراحة واعية، أو إلى التقاط أنفاسك حين تشعر أن طاقتك لا تسعفك. الراحة هنا ليست هروبًا، بل إعداد ذكي للعودة بطاقة متجددة.
ابدأ بالأصعب…
وستكتشف أن يومك لا يُقاس بعدد ما أنجزت، بل بقدرتك على مواجهة ما كنت تخشاه أولًا، والانتصار عليه بهدوء



