مقالات

من الابتكار إلى الريادة

بقلم الكاتبة : حنان سالم باناصر

بقلم الكاتبة : حنان سالم باناصر

لا يولد الابتكار صدفة، بل ينمو في البيئات التي تمنح الفكرة الصغيرة فرصة للحياة، وتتعامل مع التجربة بوصفها مسارًا للتعلّم لا مخاطرة يجب تجنّبها. ففي المؤسسات التي تطمح إلى أداءٍ عالٍ، لا يُختزل الابتكار في مبادرات موسمية أو مشاريع عابرة، وإنما يُمارَس كنهج عمل متجدد، تغذّيه ثقافة داخلية تُقدّر التساؤل، وتحتفي بالمحاولة، وتعيد النظر باستمرار في المسلّمات والطرق التقليدية. وعندما يشعر العاملون بأن أفكارهم مسموعة ومحترمة، تتشكّل طاقة إبداعية حقيقية تتدفّق بسلاسة داخل الفرق والوحدات المختلفة.

ويبرز القائد هنا بوصفه المحرّك الأهم لهذه الثقافة؛ فبقدرته على بناء الثقة وتوسيع هامش المبادرة، يتحوّل المكان الوظيفي من إطار جامد إلى مساحة نابضة بالحيوية. القائد الواعي لا يرى التحديات عوائق، بل فرصًا للتطوير، ولا يتعامل مع الخطأ كإخفاق، بل كمرحلة طبيعية في طريق التعلّم. ومع توافر هذا الأمان النفسي، يزداد إقبال الأفراد على المشاركة وصياغة الحلول، ويتحوّل الفريق إلى بيئة حية لاختبار الأفكار وتطويرها باستمرار.

كما يتطلّب الابتكار المؤسسي تبنّي أساليب عمل مرنة قادرة على التكيّف مع التغيّرات المتسارعة. فالمؤسسات التي تكتفي بالعمليات الثابتة تفقد تدريجيًا قدرتها على المنافسة، بينما تلك التي توازن بين الهيكلة والانسيابية تملك فرصة أفضل لاستشراف تحوّلات السوق وفهم احتياجات المستفيدين المستقبلية. ويأتي الاستثمار في تنمية مهارات الموظفين التقنية والإبداعية ليشكّل رافعة أساسية، تفتح المجال أمام مبادرات جديدة تسهم في توسيع الأثر وتعزيز التنافسية.

ومن هذا التفاعل المتكامل بين ثقافة تشجّع المبادرة، وقيادة داعمة، وتمكين مستمر للأفراد، يتشكّل النمو المؤسسي بوصفه نتيجة طبيعية لا هدفًا منفصلًا. فالمؤسسة المبتكرة لا تكتفي بتطوير منتجاتها أو خدماتها، بل تعيد بناء ذاتها من الداخل، فتقوى قدرتها على مواجهة التحديات، وتتحوّل من كيان يتكيّف مع التغيير إلى طرف فاعل يصنعه.

وهكذا يغدو الابتكار أسلوب حياة مؤسسية، تشترك في صناعته جميع المستويات، ويقود في نهايته إلى ريادة حقيقية ونمو مستدام، يجعل المؤسسة أكثر ثباتًا في حاضرها، وأكثر جاهزية لصياغة مستقبلها بثقة واقتدار

الفرق القوية مستقبل المؤسسات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
💬