تعزيز دور المعلم الثالث لتحسين نواتج التعلم

بقلم : د.عبد المعتنى المزروعي
تواجه الأنظمة التعليمية حول العالم مطالب متزايدة للارتقاء بجودة التعليم وتحسين النتائج في ظل تغيّر احتياجات المتعلمين والتطور المتسارع للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي AI. ولتعزيز التحول الحقيقي في المدارس، يتطلب الامر تبنّي رؤية شاملة لا تقتصر على تطوير المناهج وأساليب التدريس ، بل تمتد لتشمل البنية التحتية المرنة و تعزيز بيئات التعلّم المادية بوصفها ركيزة جوهرية وحاسمة في العملية التعليمية. والتطبيق الأمثل ل22372 ISO .
ويبرز هنا مفهوم “بيئة التعلّم كمعلم ثالث” Third Teacher Concept” ، الذي يُعيد تعريف المساحات التعليمية بوصفها عنصرًا فاعلًا في العملية التربوية؛ إذ يؤكد هذا المنهج الحديث أن تصميم البيئة المدرسية لا يمثّل عاملًا مساعدًا فحسب، بل شريكًا تربويًا يساند أساليب التدريس المعاصرة ويمكّن المعلمين والطلاب معًا.. وتُظهر دراسات حديثة أجراها البنك الدولي وجامعة سالفورد وجامعة ملبورن أن تحسّن نواتج الطلاب—خصوصًا في الرياضيات والعلوم بحسب دراسة الاتجاهات الدولية “TIMSS 2019 ” الارتباط الوثيق بقدرة بيئات التعلّم على المرونة والصمود وجودتها، إضافة إلى التأثير الإيجابي في تنمية مهارات التعاون والإبداع.”
وانسجامًا مع هذه الرؤية، يمكن تحديد ستة عوامل رئيسية وفق رؤية” UN ” تشكل نقطة البداية لإحداث تحول فعلي في المدارس:
1-بناء مدارس قادرة على الصمود
تقوم استدامة التعليم على بنية تحتية مرنة قادرة على مواجهة المخاطر الطبيعية، من خلال الالتزام بأكواد البناء، واختيار المواقع الأقل عرضة للأخطار، واستخدام مواد بناء قوية. فالمدارس ذات البناء الجيد تحمي الأرواح وتضمن استمرارية التعلّم، مما يعزز الجاهزية الأكاديمية والنفسية للطلاب.
2-تعزيز المدارس الشاملة للجميع:
يتطلب تحقيق الشمولية بنية تحتية تراعي احتياجات جميع الطلاب، بما في ذلك مرافق صحية آمنة تراعي الفروق بين الجنسين، ومساحات مهيأة لحركة ذوي الإعاقة، وبنية رقمية متطورة. فتوفر هذه العناصر يعزز تكافؤ الفرص ويرفع مستوى الاندماج في البيئة المدرسية.
3- ضمان المدارس الخضراء والزرقاء المستدامة:
أصبحت الاستدامة محورًا استراتيجيًا في تطوير البنية التعليمية، من خلال تحسين كفاءة استخدام الطاقة والمياه، واعتماد نظم فعّالة لإدارة النفايات، واستخدام مواد بناء صديقة للبيئة. وتُسهم المدارس الخضراء والزرقاء في رفع الوعي البيئي بين الطلاب وتقليل التكاليف التشغيلية، مما يعزز أحد أهم ركائز التنمية المستدامة.
4- تهيئة بيئة تعليمية صحية وآمنة:
تؤثر صحة البيئة المدرسية مباشرة على تركيز الطلاب وتفاعلهم. وتشمل المتطلبات الأساسية: المياه النظيفة، والصرف الصحي الملائم، والكهرباء، إضافة إلى الإضاءة الجيدة والتهوية السليمة والصيانة المستمرة للمباني. فالبيئات الصحية تدعم الأداء الأكاديمي وتقلل التوتر وتسهم بخفض معدلات الغياب.
5- تعزيز بيئات تعليمية مرنة وقابلة للتكيف:
تدعم المساحات الجيدة التصميم “وفق مفهوم المعلم الثالث “الأساليب التربوية الحديثة مثل التعلم التعاوني والتجريبي. وتتيح المرونة في توزيع المقاعد، وتوفير التجهيزات الرقمية، وإنشاء فصول قابلة للتعديل، للمدرسة أن تتكيف مع الاحتياجات المتغيرة للطلاب. وهذه البيئات المرنة ترفع جودة التدريس وتحسّن نواتج التعلم وتعزز الابتكار.
6- تعزيز فاعلية الاستثمارات عبر اتخاذ القرار المستند إلى البيانات:
يمثل استخدام البيانات في التخطيط واتخاذ القرار أساسًا لتعظيم أثر الاستثمارات وتوجيهها نحو الأولويات الفعلية. ويسهم ذلك في تحسين بناء القدرات وفي إشراك أصحاب المصلحة ومن ضمنهم مؤسسات المجتمع، بما يضمن تحقيق أثر ملموس ومستدام في تطوير البنية التحتية التعليمية.
يمكن لأيٍّ من هذه العوامل الستة أن تشكّل استثمارا نحو نقطة انطلاق لتحقيق الأهداف الاستراتيجية في تطوير التعليم؛ وكفاءة الأداء، إذ إن الجمع بين تصميم بيئات تعليمية فعّالة، وبنية تحتية مرنة، ومدارس شاملة وصحية ومستدامة يوفّر إطارًا متكاملًا لإحداث تحول جوهري في المؤسسات التعليمية. وتتعمّق أهمية هذا التوجّه مع صدور المعيار الدولي ISO 22372 نوفمبر 2025 الخاص بالبنية التحتية المرنة، والذي يستند إلى مبادئ (UNDRR) ويقدّم هذا المعيار إطارًا عالميًا تنفيذيا يوجّه تحسين جودة البيئة المدرسية عبر الارتقاء بمعايير التصميم، ورفع كفاءة التشغيل والصيانة، وتعزيز قدرة المدارس على مواجهة المخاطر وضمان استمرارية التعلّم. وبذلك يصبح تطبيقه خطوة استراتيجية لبناء بيئات تعليمية أكثر فاعلية ومرونة، وأكثر قدرة على تلبية احتياجات المتعلمين. نحو الابتكار والابداع.
إعادة تعريف تدريب القيادات في الأزمات لتحقيق استمرارية الأعمال



