مقالات

الفساد الإداري والمالي 

بقلم :  حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري 

بقلم :  حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري 

بسم الله الرحمن الرحيم 

   أخي القارئ الكريم : لقد نهى الله في كتابه العظيم عن الفساد في الأرض بشتى صوره وأشكاله ؛ قال الله تعالى : ” وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ” _القصص : ٧٧  وقال تعالى : ” وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ” _ الأعراف : ٥٦ وقال تعالى :  “وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ” _ البقرة : ٦٠ ؛ أخي القاريء : للفساد الإداري والمالي صورٌ كثيرةٌ منها ما يلي :

١– استغلال النفوذ الوظيفي ؛ لتعطيل معاملات الناس وحاجاتهم إلا بمقابل ؛ وهذه هي الرشوة التي قال صلى الله عليه وسلم عنها : “لَعَنَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي ” رواه الترمذي في سننه وصححه ؛ وفي الصحيحين من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه : ” أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اسْتَعْمَلَ ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ علَى صَدَقاتِ بَنِي سُلَيْمٍ ، فَلَمَّا جاءَ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وحاسَبَهُ ، قالَ : هذا الذي لَكُمْ ، وهذِه هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي ، فقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : فَهَلَّا جَلَسْتَ في بَيْتِ أبِيكَ ، وبَيْتِ أُمِّكَ حتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إنْ كُنْتَ صادِقًا ! ثُمَّ قامَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، فَخَطَبَ النَّاسَ ، وحَمِدَ اللَّهَ ، وأَثْنَى عليه ، ثُمَّ قالَ : أمَّا بَعْدُ ، فإنِّي أسْتَعْمِلُ رِجالًا مِنكُم علَى أُمُورٍ ممَّا ولَّانِي اللَّهُ ، فَيَأْتي أحَدُكُمْ فيَقولُ : هذا لَكُمْ ، وهذِه هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي ، فَهَلَّا جَلَسَ في بَيْتِ أبِيهِ ، وبَيْتِ أُمِّهِ ؛ حتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ إنْ كانَ صادِقًا ! فَواللَّهِ لا يَأْخُذُ أحَدُكُمْ مِنْها شيئًا بغيْرِ حَقِّهِ إلَّا جاءَ اللَّهَ يَحْمِلُهُ يَومَ القِيامَةِ ، ألَا فَلَأَعْرِفَنَّ ما جاءَ اللَّهَ رَجُلٌ ببَعِيرٍ له رُغاءٌ ، أوْ ببَقَرَةٍ لها خُوارٌ ، أوْ شاةٍ تَيْعَرُ ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حتَّى رَأَيْتُ بَياضَ إبْطَيْهِ: ألَا هلْ بَلَّغْتُ؟ ” .

٢- أخذ بعض الموظفين شيئاً من ممتلكات الدولة أو الشركات الخاصة من غير إذنهم بسرقةٍ أو اختلاسٍ ؛ وهذا خلاف ما أمر الله به في قوله تعالى : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ” _النساء : ٢٩ ؛ وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ” مَن اقتطَعَ مالَ امرئٍ مُسلمٍ بغيرِ حَقٍّ ، لَقيَ اللهَ عزَّ وجلَّ وهو عليه غَضبانُ ” رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما ؛ وفي الحديث الآخر : “مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بيَمِينِهِ ، فقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ له النَّارَ ، وَحَرَّمَ عليه الجَنَّةَ ، فَقالَ له رَجُلٌ : وإنْ كانَ شيئًا يَسِيرًا يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ : وإنْ قَضِيبًا مِن أَرَاكٍ ” رواه مسلمُ في صحيحه .

٣- عدم القيام بأمانة العمل زمناً وكيفية على حسب ما اتفق عليه بينه وبين الدولة ؛ أو بينه وبين المؤسسة التي يعمل فيها ؛ وهذا خلاف ما أمر الله به في قوله تعالى : ” إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيراً ” _ النساء : ٥٨  وقال صلى الله عليه وسلم : ” أدِّ الأمانةَ إلى منِ ائتمنكَ ، ولا تخنْ من خانكَ ” رواه أبو داود في سننه ؛ وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم ٣٥٣٤ .

٤- ومن صور الفساد في الأرض جحد الأمانات التي أؤتمن الإنسان على حفظها ؛ إما لشخصٍ ما ؛ أو للدولة أو للشركة التي يعمل فيها ؛ وقد قال سبحانه وتعالى : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ” _ الأنفال : ٢٧ ؛ وقال صلى الله عليه وسلم : ” الصَّلَاةُ أَمَانَةٌ ، وَالْوُضُوءُ أَمَانَةٌ ، وَالْوَزْنُ أَمَانَةٌ ، وَالْكَيْلُ أَمَانَةٌ ؛ قال ” أي الراوي ” وَأَشْيَاءُ عَدَّدَهَا .. وَأَعْظَمُ ذَلِكَ الْوَدِائِعُ ” رواه البيهقي في شعب الإيمان ، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم 5266 .

٥- ومن صور الفساد الإداري إفشاء شيء من أسرار الدولة ، التي ائتمنته على كتمها ، وعدم إفشائها ؛ وقد قال الله تعالى : “وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولًا ” _  الإسراء : ٣٤ ؛ وقال تعالى : ” وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ “_ المعارج : ٣٢ ؛  وقال صلى الله عليه وسلم : ” كلُّ أُمَّتي مُعافًى إلا المجاهرين ، و إنَّ من الجِهارِ أن يعملَ الرجلُ بالليلِ عملًا ، ثم يُصبِحُ وقد ستره اللهُ تعالى فيقولُ : عملتُ البارحةَ كذا ، وكذا ، و قد بات يسترُه ربُّه ، ويُصبِحُ يكشفُ سِترَ اللهِ عنه ” رواه البخاري ومسلم .

٦- التصرف في الممنوعات بعد قبضها بتملكٍ أو إجارةٍ أو بيع ؛ وهذا أمرٌ محرم نظاماً وشرعاً ؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ”  إنَّ الله طيبٌ لا يقبل إلا طيبًا ، وإنَّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال تعالى : يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالَحَاً . وقال تعالى : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ” . ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعثَ أغْبَر يمُدُّ يديه إلى السماء: يا رب ، يا رب ، ومطعمه حرام ، ومَشرَبُهُ حرام ، ومَلْبَسُهُ حرام ، وغُذِّيَ بالحرام ، فأنَّى يُستجاب لذلك ) رواه مسلم في صحيحه ، وقال صلى الله عليه وسلم : ” لا تزول قدما عبدٍ ” أي يوم القيامة ” حتى يسأل عن أربعٍ : عن عمره فيم أفناه ، وعن علمه ما فعل فيه ، وعن ماله من أين اكتسبه ؛ وفيم أنفقه ، وعن جسمه فيم أبلاه } رواه الترمذي في سننه ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم ٢٥٣١ .

٧- استغلال المناصب في الدولة ، أو في الشركات الخاصة ؛ لإدخال من لا يستحق الدخول فيها ، وذلك بمقابل ماديٍّ أو لمصالح متبادلة ؛ وهذا منهيٌ عنه لما فيه من حرمان من يستحق الوظيفة ، وتوظيف من ليس أهلاً لها ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” إذا ضُيِّعَتِ الأمانةُ فانتَظِرِ السَّاعةَ ؛ قال : في كيفَ إضاعَتُها ؟ قال : إذا وسِّدَ الأمرُ إلى غَيرِ أهلِه فانتَظِرِ السَّاعة ” رواه البخاري في صحيحه .

٨- من صور الفساد الإداري والمالي : تهديد المخالفين لأنظمة الدولة ؛ بأخذ شيءٍ من أموال المخالفين مقابل التغاضي عن مخالفاتهم ؛ وهذا أمرٌ منهيٌ عنه نظاماً وشرعاً ؛ لما يترتب عليه من أضرارٍ كبرى ، ومفاسد عظمى ؛ علمها من علمها ، وجهلها من جهلها .

أخي القارئ الفاضل : كم هي المظاهر السيئة للفساد الإداري والمالي غير ما ذكرته أوردت بعضها دلالة على غيرها ؛ والواجب علينا جميعاً هو النزاهة عن الحرام ؛ وأداء الأمانات لأهلها ؛ وقيام كلُّ واحدٍ منَّا بمسؤوليته ؛ والتعاون مع الدولة ، ورجالاتها المخلصين ضد كلّ مفسدٍ خوانٍ لوطنه وبلاده ؛ لتتحقق المصالح الدينية والدنيوية ؛ وليعيش الناس في بلدانهم في أمنٍ ورخاء ، وحياةٍ سعيدة ؛ وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه ؛ وجنبنا أسباب سخطه وعذابه ؛ وأدام على بلادنا السعودية أمنها ، وإيمانها ، وقيادتها ، ورخاءها ؛ والخيرات في أرجائها ؛ وجميع بلدان المسلمين .

اللهم آمين .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى