المخاطرة المحسوبة

بقلم الكاتبة: حنان سالم باناصر
في مشهد الحياة المتسارع، تتلألأ الفرص أمامنا كما تتلألأ نجوم الليل؛ بعضها يقترب ليغوينا بخطوة سريعة، وبعضها يظل بعيدًا ينتظر منا بصيرة أعمق وقرارات أكثر نضجًا. ورغم أن الإقدام جزء من النجاح، إلا أن حكمة الاختيار تكمن في أن لا تتحول المخاطرة إلى مقامرة، ولا تتحول الجرأة إلى اندفاع. فالفارق الحقيقي بين من يحقق قفزة ناجحة ومن يتعثر، ليس في تجنب المخاطر، بل في فهمها قبل خوضها.
تخيّل صاحب فكرة مشروع جديد يقف عند مفترق طرق: إما أن يقفز مدفوعًا بالحماس، أو أن يتريث قليلًا ليستكشف السوق، يحلل احتياجات العملاء، ويدرس التكاليف. الأول يغامر دون بصيرة، والثاني يمارس “المخاطرة المحسوبة” التي تحول القلق إلى خطة، والمجهول إلى احتمالات يمكن التعامل معها. هنا يتجلى الفرق بين خطوة عشوائية، وخطوة تعتمد على قراءة ذكية للواقع.
وليس رواد الأعمال وحدهم من يمارسون هذا الفن. في تفاصيل حياتنا اليومية، تصبح المخاطرة المحسوبة جزءًا من القرارات الكبيرة والصغيرة على حد سواء:
عندما نقرر تعلّم مهارة جديدة، أو تقديم فكرة مبتكرة في العمل، أو حتى اتخاذ قرار مصيري يعيد تشكيل مسار حياتنا. في كل هذه المواقف نسأل أنفسنا بصمت: ماذا لو نجحت؟ وماذا لو فشلت؟ وهل أنا مستعد لكلا الاحتمالين؟
حين يغيّر الإنسان مساره المهني بعد دراسة متطلبات السوق وصقل المهارات اللازمة وتوفير احتياط مالي يكفيه خلال المرحلة الانتقالية، فهو لا يقفز في المجهول، بل يعبر طريقًا معبّدًا بالتهيؤ.
وحين يدخل شخصان مؤسسة الزواج بعد نقاش صريح حول المستقبل والقيم المشتركة، فهما لا يلغيان التحديات، لكنهما يواجهانها بسند معرفي ونفسي يجعل الرحلة أقل وعورة.
وحين يستثمر الفرد في الأسواق المالية بعد تحليل الشركات وتنويع المحفظة وتأمين صندوق طوارئ، فإنه يرفع فرص الربح ويخفض أثر الخسارة، ببساطة لأنه قدّر المخاطر قبل أن يفتح أبوابها.
المخاطرة المحسوبة ليست نقيض الخوف ولا نقيض الطموح؛ إنها نقطة الاتزان بينهما. إنها أن تمشي نحو المجهول، لكن وأنت تحمل حقيبة مليئة بالمعرفة، والخطط، والبدائل. ليست قفزة عمياء، بل جسرًا تبنيه خطوة خطوة، حتى يصبح الطريق أكثر وضوحًا مما بدا في البداية.
وفي النهاية، الحياة لا تكافئ المتردد ولا المتهور… بل تكافئ من يجرؤ، ولكن بذكاء.



