مقالات

رفقاء السوء

بقلم :    حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري 

بقلم :    حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري 

بسم الله الرحمن الرحيم

  الحمدلله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله وصحبه ، ومن تبعه بإحسان ، ثمَّ أمَّا بعد :

أخي القارئ الكريم : يقول الله تعالى : ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا *

لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا ) ( الفرقان : ٢٧ – ٢٩ ) وقال سبحانه : ( قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَٰكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ * قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ) ( ق : ٢٧ – ٢٨ ) وقال تعالى : ( الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ) ( الزخرف : ٦٧ ) وقال تعالى : ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) ( الكهف : ٢٨ ) وقال تعالى : ( وَإذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) ( الانعام : ٦٨ ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( إِنِّما مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ ، وجَلِيسِ السُّوءِ ، كَحامِلِ المِسْكِ ، ونافِخِ الكِيرِ ، فَحامِلُ المِسْكِ ، إِمَّا أنْ يَحْذِيَكَ ، وإِمَّا أنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ ، وإِمَّا أنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً ، ونافِخُ الكِيرِ ، إِمَّا أنْ يَحْرِقَ ثَيابَكَ ، وإِمَّا أنْ تَجِدَ رِيحًا خَبيثَةً ) رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما إلى غير ذلك من النصوص الشرعية الدالة على أهمية اختيار الرفقة الصالحة ، والحذر من الرفقة السيئة ؛ فكم من رجلٍ مستقيم على دين الله وطاعته كان سبب انحرافه عن ذلك رفقاء السوء ؛ وكم من امرأةٍ مستقيمة على دينها الإسلامي الصحيح كان سبب انحرافها عنه رفيقات السوء ؛ فلذا على كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ أن يختاروا الرفقاء الصالحين في عقيدتهم ، وأخلاقهم ، وعبادة ربهم ؛ لتحيا أروحهم وقلوبهم وأجسادهم بذكر الله وطاعته ؛ ولينالوا السعادة الدائمة في الدنيا والآخرة .

إخواني القراء : إن أهملنا هذا الموضوع وجالسنا كلَّ من هبَّ ودب ، من أهل الكفر والشرك أو أهل البدع والأهواء أو أهل الغفلة والكبائر ؛ وتأثرنا بمجالستهم ، ودخلنا وخرجنا عليهم ؛ فإننا سنندم غاية الندم في يومٍ لا ينفع فيه التأسف والندم .

إخواني القراء سأورد عليكم ثلاث قصص تدل على خطورة الجليس السيء ، وشؤمه على جليسه ؛ والسعيد من اتعظ بغيره :

فأمَّا القصة الأولى : فقد وردت في الصحيحين من حديث المسيب بن حَزْن رضي الله عنه قال : ( لَمَّا حَضَرَتْ أبَا طَالِبٍ الوَفَاةُ ؛ جَاءَهُ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَوَجَدَ عِنْدَهُ أبَا جَهْلٍ ، وعَبْدَ اللَّهِ بنَ أبِي أُمَيَّةَ بنِ المُغِيرَةِ ، فَقالَ : أيْ عَمِّ قُلْ : لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ لكَ بهَا عِنْدَ اللَّهِ ؛ فَقالَ أبو جَهْلٍ ، وعَبْدُ اللَّهِ بنُ أبِي أُمَيَّةَ : أتَرْغَبُ عن مِلَّةِ عبدِ المُطَّلِبِ؟ فَلَمْ يَزَلْ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَعْرِضُهَا عليه ، ويُعِيدَانِهِ بتِلْكَ المَقالَةِ ، حتَّى قالَ أبو طَالِبٍ آخِرَ ما كَلَّمَهُمْ : علَى مِلَّةِ عبدِ المُطَّلِبِ ، وأَبَى أنْ يَقُولَ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، قالَ : قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : واللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لكَ ما لَمْ أُنْهَ عَنْكَ ؛ فأنْزَلَ اللَّهُ : ما كانَ للنبيِّ والذينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ . ونَزَلَتْ : إنَّكَ لا تَهْدِي مَن أحْبَبْتَ ولَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ) .

وأمَّا القصة الثانية : فقد رواها ابن جرير الطبري في تفسيره من سورة المدثر : ” عن عباد بن منصور عن عكرمة أنَّ الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فقرأ عليه القرآن ، فكأنَّه رقَّ له ، فبلغ ذلك أبا جهلٍ ، فقال أي عمِّ : إنَّ قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً ؛ قال : لم ؟ قال يعطونكه ، فإنَّك أتيت محمداً تتعرض لما قَبِلَه ) أي لما عرضه عليك من المال ( قال : قد علمت قريشٌ أني أكثرها مالاً ؛ قال : فقل فيه قولاً يعلم قومك أنَّك منكرٌ لما قال ، وأنَّك كارهٌ له ؛ قال : فما أقول فيه ، فوالله ما منكم رجلُ أعلم بالأشعار مني ، ولا أعلم برجزه مني ، ولا بقصيده ، ولا بأشعار الجن” أي مني ” والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا ، ووالله إنَّ لقوله لحلاوة ، وإنَّه ليحطم ما تحته ، وإنَّه ليعلو ولا يعلى ؛ قال : والله لا يرضى قومك عنك حتى تقول فيه ؛ قال : فدعني حتى أفكر فيه ، فلمَّا فكَّر قال : هذا سحرٌ يؤثَره عن غيره ” أي يأخذه عن غيره ؛ فنزلت : ( ذرني ومن خلقت وحيداً *وجعلت له مالاً ممدوداً * وبنين شهوداً * ومهدت له تمهيداً * ثمَّ يطمع أن أزيد * كلا إنَّه كان لآياتنا عنيداً * سأرهقه صعوداً * إنَّه فكر وقدر * فقتل كيف قدر * ثمَّ قتل كيف قدر * ثم نظر * ثم عبس وبسر * ثمَّ أدبر واستكبر * فقال إن هذا إلاَّ سحرٌ يؤثر * إن هذا إلاّ قول البشر * سأصليه سقر * وما أدراك ما سقر * لا تبقي ولا تذر * لواحةٌ للبشر * عليها تسعة عشر ) ” .

وأمَّا القصة الثالثة : فقد رواها أيضاً ابن جرير الطبري في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ” كان أبي بن خلف يحضر النبي صلى الله عليه وسلم ” أي مجالسه ” فزجره عقبة بن أبي معيط ؛ فنزل قوله تعالى : ( ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ) قال ابن عباس : الظالم عقبة ، وفلاناً خليلاً ؛ أبي بن خلف . وعن الشعبي : كان عقبة بن أبي معيط خليلاً لأمية بن خلف ، فأسلم عقبة ، فقال أمية : وجهي من وجهك حرام إن تابعت محمداً ، فكَفَرَ . وعن مُقْسم قال : اجتمع عقبة بن أبي معيط ، وأبي بن خلف ، وكانا خليلين ، فقال أحدهما لصاحبه : بلغني أنَّك أتيت محمداً ، فاستمعت منه ” أي تلذذت بكلامه الذي هو وحي من الله ” والله لا أرضى عنك حتى تتفل في وجهه ، وتكذبه . وعن مجاهد : أنَّ عقبة بن أبي معيط دعا مجلساً فيهم النبي صلى الله عليه وسلم لطعام ، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يأكل ، وقال : لا آكل حتى تشهد أن لا إله إلا الله ، وأنَّ محمداً رسول الله ، قال : نعم ، قال أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنَّ محمداً رسول الله ، فلقيه أمية بن خلف ، فقال : صبأت ” أي تركت دين قومك ” فقال : إنَّ أخاك على ما تعلم ” أي من الكفر ” ولكني صنعت طعاماً ، فأبى أن يأكل ” أي الرسول ” حتى أقول ذلك ” أي الشهادة ” فقلتها ، وليس من نفسي ، فأنزل الله في أمية بن خلف ، وعقبة بن أبي معيط قوله تعالى : ( ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ) ” .

فنسأل الله أن يهيأ لنا رفقاء صالحين ؛ على الخير والسنة سائرين ؛ وبمنهج السلف الصالح متبعين ؛ وأن يجمعنا بهم ، وبالصالحين من عباده في جنات النعيم ، وأن ينجينا من خزي الدنيا ، وعذاب الآخرة ؛ إنَّ ربنا أرحم الراحمين ، اللهم آمين .

فصل الشتاء 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى