سنابل الجبر

بقلم الكاتبة :عبير بن صديق
“وعلمتُ أن الله يجبر راحمًا،
فجعلتُ أجبرها قلوبَ الناس…
كُن حانيًا، مُحفّزًا، مُشجّعًا،
فالجميع في هذه الحياة يُقاسي.
وإذا شعرتَ بأن قلبك ذابل… فامنحهم؛
فالعطاءُ وحدهُ يُواسي.”
أمل الشيخ
تعود هذه الأبيات إلى خاطري كما يعود النسيم إلى روحه الأولى؛ بسيطةٌ في مبناها، عميقةٌ في معناها. وكلما استحضرتُها، تذكرتُ كيف يُدهشني الله بعطايا تُشبه المعجزات، تأتي من حيث لا أحتسب، فقط لأنني ابتسمتُ لوجهٍ عابر، أو خففتُ همًا عن روحٍ متعبة، أو زرعتُ لحظة بهجة في قلبٍ أثقلته الأيام.
﴿ جَزَاءً مِّن رَّبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا ﴾ — سورة النبأ: 36
لقد جاء ذكر العطاء في الآيات الكريمة بوصفٍ لا ينقطع، ولا يُمنع، ولا يُحدّ بقدر؛ عطاءٌ ممتدّ بلا سقف، كأنه نافذةٌ مفتوحة على رحمةٍ لا نهائية.
وفي الحديث الشريف يتجلى العطاء كامتدادٍ للنفس، كجسرٍ يربط الأرواح بعضها ببعض؛ طرفٌ يُرسل وتطرّفٌ يستقبل. وفي كِلا الطرفين يحدث اللطف: ينجلي الهمّ، يتنفس القلب، وتُضاء الفكرة… فالعطاء حياةٌ تُنعش المانح كما تُنعش الآخذ، بغضّ النظر عن حجمه وهيئته وزمانه ومكانه.
فالشكر عطاء،
والرحمة عطاء،
والابتسامة عطاء،
والنصح، والمساعدة، وإماطة الأذى، وإحياء خاطرٍ منطفئ، وحتى سُقيا حيوانٍ عطِش… كلها عطاء.
إنها التفاصيل التي تُنسكب في يومنا آلاف المرات دون أن نشعر، تفاصيل تُعيد إلينا ترتيب علاقتنا بالله أولًا، ثم بالعالم، ثم بالناس. فإن أحسنا سقياها، حسُنت حياتنا، وحسُن ثمرها.
وفي نهاية الطريق… سنكتشف أن ما نعطيه لا يضيع، بل يعود إلينا بطريقةٍ تشبهنا.
فالعطاء ليس فعلًا نقوم به، بل أثرًا نبقى به



