إعادة تعريف تدريب القيادات في الأزمات لتحقيق استمرارية الأعمال

بقلم : د.عبدالمعتني غيث المزروعي
لم يعد التدريب النظري وحده مناسباً لواقع العمل اليوم؛ الأزمات تتكرر، والقرارات تُتخذ تحت ضغط الوقت والمعلومات المتغيرة. لذلك نحتاج إلى تدريب عملي يضع القادة في مواقف قريبة من الحقيقة داخل بيئة آمنة، مثل تمارين المحاكاة على الطاولة (Tabletop Exercise) التي تسمح بالتجربة والتعلّم دون أثر على التشغيل الفعلي. ويقصد بالاختبار الاستراتيجي نقل التدريب من التلقين إلى محاكاة قرارات عالية الضغط داخل بيئة تسمح بالتجربة وقياس النتائج بوضوح.
يقوم هذا النهج على مبدأ آمن للفشل (Safe-to-Fail)؛ نجرّب حلولاً ذكية ضمن حدود واضحة للمخاطر، مع تحليل السيناريوهات وتقدير المخاطر (Risk Assessment)، بحيث تتكوّن مع التكرار ذاكرة مؤسسية ترفع جاهزية المنظمة وتغذّي قدرتها على التكيّف والمرونة والصمود. ويتعزز ذلك ببناء الحس الأزموي لدى القائد، أي الاعتياد على التقاط الإشارات المبكرة، وربط الأحداث ببعضها، والتحرك قبل تفاقم المشكلة. هذا لا يأتي تلقائياً، بل عبر تدريب منتظم واتخاذ قرار تحت الضغط مع حوكمة واضحة توضّح المسؤوليات وآليات التوثيق والمساءلة.
وحرصاً على عدم عزل التدريب عن التشغيل اليومي، نُدمجه في منظومة استمرارية الأعمال بتحديد (العمليات الحرجة) التي يجب أن تستمر مهما حدث عبر تحليل الأثر على الأعمال.
ثم نحدّد زمن التعافي المستهدف والنقطة الزمنية المقبولة لفقدان البيانات؛ أي خلال كم ساعة نعود للعمل، وكم مقدار البيانات الذي يمكن فقده دون ضرر كبير. وهكذا يصبح التدريب رافعة مباشرة لاستمرارية الأعمال، لا نشاطاً جانبياً. وخلال التمارين نستخدم صفحة موحّدة تجمع أهم المعلومات في مكان واحد لتتضح الصورة للجميع صورة معلومات مشتركة معترف بها(CRIP)، فيصبح اتخاذ القرار أسرع وأدق. وبعد كل تمرين نعد تقرير ما بعد الحدث يوضح ما حدث، وما تعلمناه، وما الذي سنحسّنه، ومن المسؤول، وبأي موعد. بهذه الآلية يتحول كل تمرين إلى تحسينات ملموسة تدعم التشغيل والاستمرارية.
ويمكن قياس النتائج ببساطة وشفافية؛ ننظر إلى وضوح الأدوار، وسرعة إصدار القرار، وجودة التواصل بين الفرق، والالتزام بالأنظمة في اللحظات الصعبة. ونضيف مؤشرات عملية مثل الوقت من أول إشارة حتى القرار، ودقة رصد الإشارات مقارنة بالإنذارات الكاذبة، ونسبة إغلاق توصيات التقارير في مواعيدها، وزمن التعافي الفعلي مقارنة بـالمستهدف.
بما أن هذا النهج يغيّر طريقة العمل واتخاذ القرار، فمن الطبيعي أن ينعكس على معايير اختيار القادة وتقييمهم، فلم يعد يكفي الاعتماد على الشهادات وسنوات الخبرة، بل المطلوب دليل عملي على القدرة في الأزمات، قائد يحسم تحت الضغط، ينسّق بين الفرق بسلاسة، يلتزم بالمعايير، ويفكر بطريقة منظمة حتى مع نقص المعلومات. لذلك تعتمد المؤسسات الجادة هذه القدرات في التقييم والاختيار لأنها تكشف قيمة القائد وقت التعقيد لا وقت الهدوء.
وفي المقابل تحقق هذه المنهجية للتدريب أثراً تشغيلياً مباشراً إذ تقلل وقت التعافي بعد أي تعطل، وترفع دقة القرار، وتحمي الأصول والسمعة، وتضمن استمرارية الأعمال. ومع تطبيقها تصبح الجاهزية أسلوب عمل يومي عبر مؤشرات أداء واضحة وتقارير منتظمة وتمارين متكررة يتم على أساسها تحديث السياسات والخطط، كما أن توثيق الدروس بشكل منظم يبني رصيداً معرفياً داخل المؤسسة يعزز الاعتمادية ويظهر القائد القادر على توقّع الأزمة وقيادتها بثقة وانضباط.
“أوقفوا الكوارث”… لعبة تفاعلية تصنع جيلًا أكثر وعيًا وصمودًا



