العيش بين الرضا والطموح

بقلم الكاتبة: حنان سالم باناصر
يعدّ التوازن بين الرضا والطموح إحدى أهم المهارات التي يحتاجها الإنسان ليحيا حياة متزنة وفاعلة. فالطموح هو القوة الدافعة نحو السعي والتخطيط والعمل واستثمار الفرص للوصول إلى هدف يراه الإنسان جديراً بجهده ووقته، بينما يمثّل الرضا الشعور الإيجابي الذي ينشأ من تقدير المرء لجهده وما حققه خلال الطريق، حتى لو لم يصل بعد إلى الصورة الكاملة التي يطمح إليها. إن الإفراط في الطموح قد يقود إلى توتر مستمر وشعور دائم بالضغط، في حين أن الإفراط في الرضا قد يطفئ شغف الإنسان ويحدّ من تقدمه. ومن هنا تبرز أهمية الوعي بالقدرات، وفهم الإمكانات المتاحة، وتقدير الخطوات الصغيرة التي تشكل في مجموعها مسار التطور.
فالعيش بين الرضا والطموح ليس صراعاً، بل رحلة توازن تشبه خطوتين متكاملتين: خطوة تدفع الإنسان إلى الأمام نحو تحقيق أهدافه، وخطوة أخرى تثبّته على أرض الواقع وتجعله يستشعر قيمة ما حققه بالفعل. هذا التوازن يمنح الفرد مساحة نفسية أكثر هدوءاً، ويعزز استمراريته في السعي دون أن يفقد سلامه الداخلي. ويمكن النظر إلى مثال الطالب الذي يسعى للحصول على شهادة يحلم بها؛ فهو يدرس ويبحث ويجتهد، وهذا هو الطموح، لكنه حين يدرك أن لكل مرحلة ينجزها قيمة وأن الطريق نفسه يمثل تطوراً، فهذا هو الرضا الذي يحميه من الإحباط ويجعله أكثر قدرة على المواصلة. كما أن الطموح الصحي يقوم على أهداف واقعية وخطط قابلة للتطبيق، بينما يقوم الرضا الإيجابي على تقدير النعم وتقبّل مراحل الطريق وفهم أن النتائج لا تتحقق دائماً دفعة واحدة.
وتشير الدراسات النفسية إلى أن هذا التوازن يسهم في خفض مستويات التوتر ورفع جودة الحياة، فيما يمنح البعد الروحي عمقاً إضافياً حين يدرك الإنسان أن العمل رسالة والطموح عبادة والرضا حالة قلبية تحفظ سلامه الداخلي مهما تبدلت الظروف. وهكذا تتجلى الحقيقة الأوضح: القناعة لا تعارض الطموح، بل تمثل حدوده الآمنة. فالطموح يدفع الإنسان إلى الأمام، بينما تمنحه القناعة ثباته واتزانه، وامتزاجهما هو الطريق الأجمل نحو حياة مليئة بالسلام والإنجاز


