أعمال القلوب

بقلم: حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله ، وصحبه ، ثمَّ أمَّا بعد :
أخي القارئ الكريم : إنَّ العبادة : اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة منها والباطنة ؛ فالعبادة منها أعمالٌ ظاهرةٌ كالصلاة ، والصدقة ، والحج ، وغيرها ؛ وصحة هذه الأعمال الظاهرة مبنيةٌ على صحة الأعمال القلبية ؛ فالأعمال القلبية أساس صحة الإيمان ؛ ومنها تنطلق تعاليم الإسلام الظاهرة ؛ وشعائر الدين العظيمة ؛ كالصلاة ، وغيرها ؛ وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز : ( يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) ( الشعراء : ٨٨ – ٨٩ ) قال الإمام ابن كثير في تفسيره : ” ( بقلبٍ سليمٍ ) أي سالمٍ من الدنس ، والشرك . وقال محمد بن سيرين : القلب السليم أن يعلم أنَّ الله حقٌّ ، وأنَّ الساعة آتيةٌ لا ريب فيها ، وأنَّ الله يبعث من في القبور . وقال ابن عباس : ( إلا من أتى الله بقلبٍ سليمٍ ) أي حييٌّ يشهد أن لا إله إلا الله . وقال مجاهدٌ ، والحسن ، وغيرهما : ( بقلبٍ سليمٍ ) يعني من الشرك . وقال سعيد بن المسيب : القلب السليم : هو القلب الصحيح ، وهو قلب المؤمن ; لأنَّ قلب الكافر ، والمنافق مريض ، قال الله : ( في قلوبهم مرض ) . وقال أبو عثمان النيسابوري : هو القلب الخالي من البدعة ، المطمئن إلى السنة ” انتهى .
أخي القارئ الكريم : ومما يدل كذلك على أهمية القلب في جسم الإنسان ؛ وأنَّه قابل للكفر والإيمان ؛ والبدعة والسنة ، والمعصية والطاعة ؛ ما جاء في قول الله تعالى : ( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) ( الحج : ٤٦ ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً ، إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ ، وإذا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ ، ألا وهي القَلْبُ ) رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما ؛ وفي الحديث عن شهر بن حوشب رحمه الله قال : ( قُلتُ لأمِّ سلمةَ رضي الله عنها : يا أمَّ المؤمنينَ ما كانَ أَكْثرُ دعاءِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ إذا كانَ عندَكِ ؟ قالَت : كانَ أَكْثرُ دعائِهِ : يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ ؛ قالَت : فقُلتُ : يا رسولَ اللَّهِ ما أكثرُ دعاءكَ يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ ؟ قالَ : يا أمَّ سلمةَ إنَّهُ لَيسَ آدميٌّ إلَّا وقلبُهُ بينَ أصبُعَيْنِ من أصابعِ اللَّهِ ، فمَن شاءَ أقامَ ، ومن شاءَ أزاغَ . فتلا معاذٌ رضي الله عنه : رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ) رواه الترمذي في سننه ؛ وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم ٣٥٢٢ .
ومن هذا ننطلق معك أخي القارئ الكريم إلى بيان بعض أعمال القلوب التي تحث العبد على فعل الصالح من العمل ؛ ومنها ما يلي :
١- إخلاص الأعمال والأقوال لله تعالى بأن تقصد بها وجه الله وحده ، والدار الآخرة ؛ قال الله تبارك وتعالى : ( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ) ( الكهف : ١١٠ ) وقال تعالى : ( مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ ) ( الشورى : ٢٠ ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى : أنا أغْنَى الشُّرَكاءِ عَنِ الشِّرْكِ ، مَن عَمِلَ عَمَلًا أشْرَكَ فيه مَعِي غيرِي تَرَكْتُهُ وشِرْكَهُ ) رواه مسلمٌ في صحيحه ؛ إلى غير ذلك من النصوص الشرعية الدالة على وجوب الإخلاص لله فيما يقوله العبد ويفعله من العبادات التي أمر الله بها عباده ؛ وبضد الإخلاص لله أو التوحيد الشرك ؛ وهو صرف شيءٍ من العبادات لغير الله تعالى ؛ وبالشرك تبطل الأعمال والأقوال ؛ ويعرض المسلم نفسه بسببه للعقوبات الغليظة في الدنيا والآخرة ؛ ومن فوائد النية الصالحة أنها تحول العادات إلى عبادات ؛ فيثاب عليها إذا نوى بها التقوي على طاعة الله ؛ فمن أكل ؛ أو شرب ؛ أو نام ؛ أو عمل أعمالاً مباحةً ليعف به نفسه ، وولده عن سؤال الناس كان له في ذلك أجراً عند الله ؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : ( إنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بهَا وجْهَ اللَّهِ إلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا ، حتَّى ما تَجْعَلُ في فَمِ امْرَأَتِكَ ) رواه البخاري في صحيحه .
٢- من أعمال القلوب : التوكل على الله ؛ وهو تفويض الأمور إلى الله في قضاء الحاجات ، وتفريج الكربات مع بذل الأسباب المباحة والمشروعة ؛ لنيل المطالب والأمنيات الدنيوية والأخروية ؛ قال الله تعالى : ( وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) ( المائدة : ٢٣ ) وقال تعالى : ( إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) ( هود : ٥٦ ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( لو أنَّكم كُنتم توكلون علَى اللهِ حقَّ توَكلِه ؛ لرزقتُم كما يرزقُ الطَّيرُ تغدو خماصًا ، وتروحُ بطانًا ) رواه الترمذي في سننه ؛ وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم ٢٣٤٤وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم : ( اللَّهمَّ رحمتَك أَرجو ؛ فلا تَكِلني إلى نَفسِي طرفةَ عينٍ ، وأصلِح لي شَأني كلَّه لا إلَه إلَّا أنتَ ) رواه أبو داود في سننه ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم ٥٠٩٠ وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا خرج الرجلُ من بيتِه ؛ فقال : بسمِ اللهِ ، توكَّلتُ على اللهِ ، لا حولَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ ، فيقالُ له : حسبُكَ ، قد هُدِيتَ ، وكُفيتَ ، ووُقِيتَ ؛ فيتنحَّى له الشيطانُ ، فيقول له شيطانٌ آخرُ : كيف لك برجلٍ قد هُدِيَ ، وكُفِيَ ، ووُقِيَ ) رواه أبو داود في سننه ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم ٤٩٩ .
٣- من أعمال القلوب : حسن الظنِّ بالله تعالى ؛ فيما يقضيه ويقدره على عباده من خيرٍ أو شر في الدنيا والآخرة ؛ يقول الله تعالى في الحديث القدسي : ( أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي ، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي ، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي ، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعًا ، وإنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ) رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما ؛ وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهو يُحْسِنُ باللَّهِ الظَّنَّ ) رواه مسلمٌ في صحيحه ؛ وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : “والذي لا إله غيره ، ما أُعطي عبدٌ مؤمنٌ شيئًا خيرًا من حسنِ الظن بالله تعالى ، والذي لا إله غيره لا يُحسن عبدٌ بالله عز وجل الظنَّ ، إلا أعطاه الله عز وجل ظنَّه ذلك ؛ لأنَّ الخير في يده ” وقال الحسن البصري رحمه الله : ” إنَّ المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل ؛ وإنَّ المنافق أساء الظن بربه فأساء العمل ” .
٤- محبة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ومحبة ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم من الأعمال والأقوال ، وبغض ما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم من الأعمال والأقوال ؛ قال الله تعالى : ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )( آل عمران : ٣١ ) وقال تعالى : ( لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ( المجادلة : ٢٢ ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( ثَلَاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ حَلَاوَةَ الإيمَان : أنْ يَكونَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا سِوَاهُمَا ، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ ، وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ ) رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما ؛ وقال صلى الله عليه وسلم : ( لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن والِدِهِ ، ووَلَدِهِ ، والنَّاسِ أجْمَعِينَ ) رواه البخاري في صحيحه ؛ قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين ( ٣ / ٣٦٥ ) : ” منزلة المحبة ؛ وهي المنزلة التي فيها يتنافس المتنافسون , وإليها شخص العاملون ، وإلى علمها شمَّر السابقون ، وعليها تفانى المحبون , وبروح نسيمها تروَّح العابدون . هي قوت القلوب , وغذاء الأرواح ، وقرة العيون , وهي الحياة التي من حُرمها فهو من جملة الأموات , والنور الذي من فقده ؛ ففي بحار الظلمات , والشفاء الذي من عدمه ؛ حلَّت بقلبه جميعُ الأسقام , واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كلُّه هموم والآم ؛ هي روح الإيمان ، والأعمال ، والمقامات والأحوال ؛ التي متى خلَت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه ” انتهى .
٥- من أعمال القلوب اليقين : أي بأنَّ دين الإسلام الدين الحق ؛ الذي يجب العمل به ؛ وأنَّ الله ناصرٌ عباده المؤمنين المتمسكين به ؛ واليقين بثواب الله لعباده المتقين في الدنيا ويوم الدين ؛ قال الله تعالى : ( وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ) ( الحاقة : ٥١ -٥٢ ) وقال تعالى : ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) ( السجدة : ٢٤ ) قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله في كتابه مدارج السالكين : ” سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول : بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين ” انتهى . وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ( البقرة : ٤ -٥ ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( سلوا اللَّهَ العفوَ والعافيةَ ؛ فإنَّ أحدًا لم يُعطَ بعدَ اليقينِ خيرًا منَ العافيةِ ) رواه الترمذي في سننه ؛ وقال حسنٌ صحيح ؛ وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ” خير ما ألقي في القلب اليقين ” وقال أيضاً : ” اليقين الإيمان كلُّه ” وقال : ” اللهم زدنا إيماناً ويقيناً وفقهاً ” قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره ( ١ / ٣٢٥ ) : ” وحقيقة اليقين : هو العلم الثابت الراسخ التام المثمر للعمل القلبي ، والعمل البدني ” انتهى .
٦- سلامة الصدر : إنَّ من أعمال القلوب سلامة قلب المؤمن من سوء الظن ، والحسد ، والغل ، والحقد ، والعداوة ، لإخوانه المؤمنين في أمورٍ دنيويةٍ ؛ وغيرها من أمراض القلوب ؛ كيف وقد قال عزَّ وجل : ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ) ( الحشر : ١٠ ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا تَباغَضُوا ، ولا تَحاسَدُوا ، ولا تَدابَرُوا ، وكُونُوا عِبادَ اللَّهِ إخْوانًا ، ولا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثَةِ أيَّامٍ ) رواه البخاري ومسلم ؛ وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا تَحاسَدُوا ، ولا تَناجَشُوا ، ولا تَباغَضُوا ، ولا تَدابَرُوا ، ولا يَبِعْ بَعْضُكُمْ علَى بَيْعِ بَعْضٍ ، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا . المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ : لا يَظْلِمُهُ ، ولا يَخْذُلُهُ ، ولا يَحْقِرُهُ . التَّقْوَى هاهُنا . ويُشِيرُ إلى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ . بحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمَ . كُلُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ حَرامٌ ؛ دَمُهُ ، ومالُهُ ، وعِرْضُهُ ) رواه مسلمٌ في صحيحه .
٧- من أعمال القلوب : الخشية ؛ وهي أعظم أنواع الخوف ، والتي يجب أن تكون لله وحده لا شريك له ؛ قال الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ) ( الملك : ١٢ ) وقال تعالى: ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ) ( فاطر : ٢٨ ) وقال تعالى : ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) ( آل عمران : ١٧٣ ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( عَينانِ لا تمسُّهما النَّارُ : عينٌ بَكَت من خشيةِ اللَّهِ ، وعَينٌ باتت تحرُسُ في سبيلِ اللَّهِ ) رواه الترمذي في سننه ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم ١٦٣٩ وقال صلى الله عليه وسلم : ( من خافَ أدلَجَ ، ومن أدلَجَ بلغَ المنزلَ ، ألا إنَّ سلعةَ اللَّهِ غاليةٌ ، ألا إنَّ سلعةَ اللَّهِ الجنَّةُ ) رواه الترمذي في سننه ؛ وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم ٢٤٥٠ وغيرها من النصوص كثير .
٨- من أعمال القلوب : الخشوع ؛ وهو انكسار القلب بين يدي الله تعظيماً له ، ومحبةً له ، وخوفاً وخشيةً منه سبحانه وتعالى ، وذلك عند القيام بعبادةٍ من العبادات التي فرضها الله علينا ؛ ورغبنا في فعلها كالصلاة وغيرها ؛ ويكون الخشوع أيضاً عند الله تعالى يوم يلقاه العبد بأعماله خيرها وشرها ؛ قال الله تعالى : ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ) ( المؤمنون : 1، 2 ) قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين ( ١ / ٥٢٦ ) : ” علَّق اللهُ فلاحَ المُصَلِّين بالخشوع في صلاتهم ؛ فدلَّ على أنَّ مَن لم يَخْشَعْ فليس مِن أهل الفلَاح ، ولو اعتدَّ له بها ثوابًا ، لكان مِن المفلحين ” انتهى ، وقال تعالى : ( وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ) ( الروم : ٢٦ ) يقول الإمام ابن كثير في تفسيره : ” يقول تعالى : ] وله من في السماوات والأرض [ أي ملكه ، وعبيده ، ( كلٌّ له قانتون ) أي خاضعون خاشعون طوعاً وكرهاً . وفي حديث دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، مرفوعاً : كلُّ حرفٍ في القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة ” انتهى . ومما يدل على أهمية الخشوع قول الله تعالى : ( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) ( الأنبياء : ٩٠ ) وقال تعالى : ( يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ) ( طه : ١٠٨ ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( ما مِنَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلاةٌ مَكْتُوبَةٌ ؛ فيُحْسِنُ وُضُوءَها ، وخُشُوعَها ، ورُكُوعَها ، إلَّا كانَتْ كَفَّارَةً لِما قَبْلَها مِنَ الذُّنُوبِ ؛ ما لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً ، وذلكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ ) رواه مسلمٌ في صحيحه ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( هلْ تَرَوْنَ قِبْلَتي هَا هُنَا ، فَوَ اللَّهِ ما يَخْفَى عَلَيَّ خُشُوعُكُمْ ، ولَا رُكُوعُكُمْ ، إنِّي لَأَرَاكُمْ مِن ورَاءِ ظَهْرِي ) متفقٌ عليه .
٩- من أعمال القلوب : الإنابة ؛ وهي الرجوع إلى الله بالتوبة النصوح من الذنوب والآثام ؛ والإقبال على الله بصالح الأقوال والأعمال ؛ قال الله تعالى عن أنبيائه العظام صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين : ( وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَاب ) ( ص : ٢٤ ) وقال تعالى : ( وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَاب ) ( ص : ٣٤ ) وقال تعالى عن شعيب : ( وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيب ) ( هود: 88 ) وقال تعالى عن نبينا محمد صلى اللهُ عليه وسلم : ( ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيب ) ( الشورى : ١٠ ) وقال تعالى : ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيب ) ( هود : ٧٥ ) وأمر الله بالإنابة عباده المؤمنين ؛ فقال تعالى : ( وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ ) ( الزمر : ٥٤ ) وكذا أمرهم في دعائهم بها ؛ فقال تعالى : ( رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير ) ( الممتحنة: 4 ) .
١٠- وأخيراً من أعمال القلوب الرجاء في رحمة الله وفضله ومغفرته في الدنيا والآخرة : وقد دلت نصوص الشريعة على ذلك ؛ فقال عزَّ من قائلٍ حكيماً : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ( البقرة : ٢١٨ ) وقال تعالى : ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ) ( الكهف : ١١٠ ) وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) ( يونس : ٧ ) وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه : { أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ دخلَ على شابٍّ وَهوَ في الموتِ ؛ فقالَ كيفَ تجدُكَ ؟ قالَ : واللَّهِ يا رسولَ اللَّهِ إنِّي أرجو اللَّهَ ، وإنِّي أخافُ ذنوبي ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ : لا يجتَمِعانِ في قلبِ عبدٍ في مثلِ هذا الموطِنِ إلَّا أعطاهُ اللَّهُ ما يرجو ، وآمنَهُ ممَّا يخافُ } رواه الترمذي في سننه ، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي برقم ٩٨٣ .
هذه إخواني القراء أهم أعمال القلوب ؛ ولولا خشية الإطالة في المقال لذكرت غيرها ؛ والله نسأل أن يصلح قلوبنا للتي هي أقوم ؛ وأن يبارك لنا في أقوالنا ، وأفعالنا ؛ وجوارحنا ؛ وأن يلهمنا بها التوفيق ، والتسديد لما يحبه ربنا ويرضاه ؛ وأن يجنبنا أسباب سخطه وعذابه ؛ إنَّه ولي ذلك والقادر عليه .
اللهم آمين .



