“أوقفوا الكوارث”… لعبة تفاعلية تصنع جيلًا أكثر وعيًا وصمودًا

بقلم: د.عبدالمعتني المزروعي
فـي جناح الأمم المتحدة بمعرض” الكوارث ليست طبيعية” والمقام في إكسبو أوساكا 2025، لفتت لعبة “أوقفوا الكوارث” (Stop Disasters) أنظار الزوار من مختلف الأعمار بتجربتها التعليمية الفريدة، التي أطلقها مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث (UNDRR)، لتتيح لهم التعرّف على سبل بناء مجتمعات أكثر مرونة وقدرة على الصمود أمام الأخطار الطبيعية.
وقد تحولت اللعبة خلال السنوات الأخيرة إلى واحدة من أبرز الأدوات التعليمية عالميًا في تعزيز الوعي البيئي ونشر مفاهيم التخطيط الوقائي، وذلك بعد توسّعها الكبير الذي شمل إضافة إحدى عشرة لغة جديدة وتطوير بيئات محاكاة رقمية تفاعلية (Interactive Digital Simulations) تُثري تجربة المستخدمين وتتيح لهم التعلّم بالممارسة.
تقوم فكرة اللعبة على مبدأ التعلّم بالمحاكاة (Simulation-based Learning)، إذ يخوض اللاعب تجربة افتراضية تحاكي الواقع يُطلب خلالها اتخاذ قرارات مصيرية تمس سلامة مجتمعه الافتراضي. فعليه أن يختار مواقع البناء بعناية، ويستخدم مواد مقاومة، ويؤسس أنظمة إنذار مبكر (Early Warning Systems) وخطط إخلاء فعّالة، ضمن موارد محدودة ووقت قصير. ومن خلال هذه التجربة، يدرك اللاعب كيف يمكن للتخطيط السليم والوقاية المسبقة أن يحدّا من الخسائر البشرية والمادية، مكتسبًا فهمًا عمليًا لمفاهيم إدارة المخاطر والمرونة (Resilience) والاستدامة(Sustainability).
تضم اللعبة خمسة سيناريوهات رئيسية تحاكي كوارث طبيعية متنوعة تشمل الزلازل، الفيضانات، الأعاصير، حرائق الغابات، والتسونامي. في كل حالة، يواجه اللاعب تحديات متدرجة في الصعوبة، ويتعلم كيف يصنع التخطيط المسبق الفارق بين الخسارة والنجاة. وبفضل تصميمها المرن، أصبحت اللعبة أداة مثالية للتعلم.
ومنذ عرضها الأول ضمن أجنحة الأمم المتحدة في المعارض الدولية، برزت المبادرة كنموذج علمي مبتكر يوظف التقنيات التفاعلية لتبسيط مفاهيم إدارة الأزمات (Crisis Management) والتعافي (Recovery)، وتحويل المعرفة النظرية إلى تجربة تطبيقية مشوقة. وتشير دراسات تربوية إلى أن هذا النمط من التعلّم يعزز التفكير النقدي ومهارات حل المشكلات، لتؤكد أن الكوارث والأزمات ليست حتمية، بل نتيجة خيارات بشرية يمكن توجيهها بالتخطيط والإدراك الواعي.
وتطلعًا إلى المستقبل، تمثل هذه المبادرة نموذجًا ملهمًا لتكامل التعليم والتقنية والاستدامة، إذ تسهم في تعزيز الجاهزية لمواجهة مخاطر عدم اليقين، وتغرس ثقافة الوقاية والمسؤولية لدى الأجيال الصاعدة. ومن المهم تعميم هذه التجربة وتبنّي مشاريع مشابهة في المؤسسات التعليمية والمراكز التدريبية، لما تحققه من أثر ملموس في بناء الوعي وتعزيز القدرات المجتمعية.
وفي قراءة للمشهد الداخلي، نجد برامج ومبادرات قائمة تغطي مجالات متعددة من المخاطر الطبيعية والسلوكية …، وهي مبادرات واعدة تستحق تبنيًا واستثمارًا جريئًا لتعظيم أثرها وتعزيز حضورها محليًا ودوليًا، بما يسهم في رفع الوعي وترسيخ ثقافة المسؤولية والالتزام والامتثال، وذلك توجها مع رؤية 2030 التي تضع الابتكار والذكاء الاصطناعي(AI) في صميم مسارها التنموي، بدعم الكفاءات الوطنية وتفعيل المبادرات التي تُسهم في تنمية المجتمع وتعزيز قدراته في إدارة المخاطر.
ولا سيما أن المملكة تتصدر المرتبة الأولى إقليميًا والثانية ضمن (G20) في مؤشر الخدمات الرقمية، ما يعكس الريادة التقنية والتفوق الرقمي. ومع اقتراب استضافة (Expo 2030 )، فإن نجاح هذه المنجزات تمثل فرصة لإبراز الإبداع والريادة السعودية، وإلهام العالم برؤية وطنية طموحة تسعى نحو مستقبل أكثر وعيًا واستدامة، تُجسّد فيه نموذجًا عالميًا في توظيف التقنية لخدمة الإنسان والتنمية.



