وادِ غير ذي زرع


بقلم : نجلاء عمر بصفر
إذ حدث إبراهيمُ عليه السلام ودعا ربه عندما أُمره بشد الرحال بزوجته هاجر وابنه إسماعيل عليهما السلام إلى وادي مكة آنذاك ” وادِ غير ذي زرع” إذ بلغ دعاؤه من أهميته ليكون قرآناً يُتلى لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه ولا من أمامه في قوله تعالى : “ربنآ إني أسكنتُ من ُذريتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاةَ، فأجعل أفئدةً من الناسِ تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون” .. إبراهيم (37)
أي دعوة تلك وأيُ مكانة عظيمة والتي جعلت من ذلك الوادي مركز الكون وقبلة المسلمين ومكان يؤي إليه الناس من مشارق الأرض ومغاربها؟ لا تكاد تخلو بقعة منه من البشر.، بل وزاد ” براهيم عليه السلام” في قوله تعالى “وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم أنك أنت العزيزُ الحكيم” .. البقرة (129)
يعني محمد صل الله عليه وسلم ليستجيب الله دعاء إبراهيم عليه السلام فيأتي 0 (محمداً عليه السلام) بشير الأمة ونذيرها ومغير وجه التاريخ ومسار البشرية من مدارك الضلال إلى ضفاف الجِنان والنور والهداية.
ومنْ قال عندما هاجر منها وهي أحبُ البقاع إلى قلبه الطيب ….
” والله إنك أحب البقاعُ إلي ولولا ما أخرجوني منك ما خرجت ”
وأي شرفٍ لخير بقاع الأرض أرض ” مكة المكرمة” بحديث نفس أفضل خَلق الله وأحسنهم خُلقا أي حديث ذلك من أشرف الخلق يخاطب فيه أشرف وأطهر البقاع وأي حوارٍ أعظم من ذلك الحوار؟
فوالله إنك يامكة في القلب والعين لك مكانُ محفورُ محفوف ومكانة…. وكيف ولما لا؟ وفي مكة ومنها بزغ نور الهداية والإسلام والإيمان لنبي الرحمة المهداة صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر سيدنا محمد صلَ الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم.. وقد أضاء نوره كل الكرة الأرضية ومنْ غيًير مولده وجهَ التاريخ.. وخارطة العالم وتفاصيل البشر وغيًر مسار الناس من الضلال إلى النور ومن مدارك الشقاء إلى رحاب السعادة والنور.. ومنْ وصل خبر مولده كل الأرض وجميع الأرجاء.. أي رجلٍ مهم ذاك الذي وُلد لتُبشر به الأرض؟ وتنطفئ بمولده نيران كسرى؟ ما أعظمه من حدث وما أقواه من تاريخ والذي صٌنع بمولده وكأن الأرض تنتظر قدومه لتهدئ وتهنئ من براكين الضلال والحيرة.
نعم إنها تلك اللحظات المفصلية في تاريخ تلك الأمة المحظوظة وقد هللت الأرض بمقدمهِ عليه السلام إنها تلك المؤشرات والعلامات.. نعم إنه هو.. منْ بعثه الله منقذاً لأمتهِ.. ومنْ قال لصاحبه في قوله تعالى (إذ يقولُ لصاحبه لا تحزن إن اللهَ معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنودٍ لم تروها…. الآية) التوبة آية (40) فأنزل الله سكينته عليه لتستقر نفسه وتهدئ وتهنئ ي (بأبي أنت وأمي يا رسول الله ).
ومنْ عَلِم الله بحديث نفسه كلما أدى صلاةً أمنيته بأن تكون مكة هي قبلة المسلمين فتغيرت القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام.. أي شرفٍ وأي أحداث عظيمة تلك؟
إذ قال الله تعالى (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها، فولِ وجهك شطر المسجد الحرام الآية…) البقرة (144)
ما أعظمك يا الله.. وما أكرمك علمت حديث نفس نبيك فاستجبت له .. نعم إنه ذاك الرجل الذي هو في معية الله أينما ذهب وتوجه .. إنه محمداً صلَ الله عليه وسلم .
وتلك مكة المكرمة مسقط رأس من هو (ثاني إثنين إذ هما في الغار) رفيق تلك الرحلة الشاقة والتي لم تكن سهلة بكل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة والمهمة كانت ولازالت مهمة في كل تفصيلة إنه( أبو بكر الصديق) وأحب الرجال لسيدنا محمد صلى الله عيه وسلم، نعم تلك مكة أرضُ وأنجبت بطنها من لقبه سيدنا محمد ب(الفاروق) والذي كان يفرق بين الحق والباطل ومارآه الشيطانُ في طريق إلا وسلك آخر ومنْ أنزل الله وحيه تأييداً لرأيه في عدة مواضع …. ومن مكة سيف الله المسلول (خالد إبن الوليد) ما خاض معركة إلا وأنتصر فيها بإذن الله من تهابه وتخشاه أباطرة الروم وأكاسرة الفرس.. ومنها منْ بكى الرسول موته وحزن وهو (أسد الله) حمزة ابن عبد المطلب رضي الله عنهم جميعاً وأرضاهم.. وقد أخرجت تلك الأرض طيبة المنبت طيبة الرائحة.. طيبة الجذور رجلُ( تستحي منه الملائكة) إنه ( ذي النورين) عثمان بن عفان رجلاً بألف رجل جهز جيش العسرة ومنْ قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ماضر عثمان ما فعل) وإبن العاشرة علي بن أبي طالب رضي وأرضاهم جميعاً ، من فدى نفسه عن نبي الرحمة ليلة الهجرة وهو إبن الإثنين وعشرين عاما ولم يفكر في نفسه بل في حماية النبي صلى الله عليه وسلم ومنها ( أمين سر رسول الله ) حذيفة ابن اليمان ومن مكة من ترك المدينة المنورة ولم يستطع البقاء فيها بعد موته صلى الله عليه وسلم وقد أحزنه كثيراً وطلب الرحيل منها ( بلال ابن رباح )من عُذب في الله.. أي رجالات أولئك أنجبتهم أرضك يامكة المكرمة ياأرض الخير ..
وفيها سيدة نساء أهل الجنة ومن كان لها كفنان إحداهما كفنُ من الجنة وهي السيدة خديجة رضى الله عنها وارضاها، والتي قال فيها سيد البشر ” ما أبدلني الله خيراً منها ” ومنها فقيهة الدين ابنة الثامنة عشر ربيعاً السيدة عائشة، وأختها أسماء بنت أبي بكر الصديق ومن بشرها الرسول بنطاقين في الجنة ولُقبت ب “ذات النطاقين” وقد كانت تحمل الكلأ لأبيها وصاحبه وهي ابنة سبعاً وعشرون عاما وقد اجتازت تلك الطرق الوعرة والخطرة دون تعب.. وماولدت بطون أمهات مكة إلا رجالات ونساء خلد التاريخ أسمائهم وحفرها ومنهم من نزل فيهم قرآن يتلى لايأتبه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ومنهم من إذا أقسم على الله لأبره….
ومن يقرأ التاريخ يعلم ويعي كيف انهم آزروه وهاجروا معه صلى الله عليه وسلم وتركوا أموالهم وديارهم فداء لرسول الله “بأبي أنت وأمي يارسول الله”